ـ[عبدالحي]ــــــــ[15 - Oct-2008, مساء 03:31]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير سورة المزّمل
و هي مكية و آياتها عشرون آية
(يأيها المزّمل) أي المتزمل. أي المتلفف في ثيابه. و هنا خوطب صلى الله عليه و سلم بحكاية حاله وقت نزول الوحي , ملاطفة و تأنيسا و تنشيطا للتشمر لقيام الليل.
(قم الليل إلا قليلا) أي صلِّ في الليل إلا قليلا و ذلك بحكم الضرورة للإستراحة , و مصالح البدن و مهماته التي لا يمكن بقاؤه بدونها.
(نصفه أو انقص منه قليلا أو زِد عليه) أي: أمرناك أن تقوم نصف الليل بزيادة قليلة أو نقصان قليل , لا حرج عليك في ذلك.
فامتثل رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر ربِّه , فقام مع أصحابه حتى تورمت أقدامهم. ثم خفف الله تعالى عنهم و نزل آخر هذه السورة بالرخصة في ترك القيام الواجب و بقي الندب و الإستحباب.
فقد جاء في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها لما سألت عن قيام رسول الله صلى الله عليه و سلم , فقالت لسّائل: ألست تقرأ " يأيها المزّمل "؟ قال: بلى. قالت: " فإن الله عزّ و جلّ افترض قيام الليل في أوّل هذه السورة , فقام نبيُّ الله صلى الله عليه و سلم و أصحابه حولا , و أمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرا في السّماء حتّى أنزل الله في آخر هذه السّورة التّخفيف , فصار قيام الليل تطوّعا بعد فريضة ".
(و رتّل القرآن ترتيلا) أي: اقرأه على تمهل , فإنه يكون عونا على فهم القرآن و تدبره. قال الزمخشري: تريل القرآن قراءته على ترسل و تُؤدة , بتبيين الحرف , و إشباع الحركات ... و أن لا يهذّه هذّا , و لا يسرده سردا. قال ابن مسعود: لا تهذّوا القرآن هذّ الشعر , و لا تنثروه نثر الدقل. قفوا عند عجائبه , و حرّكوا به القلوب , و لا يكن همَّ أحدكم آخر السورة.
قالت حفصة رضي الله عنها: " و كان يقرأ – أي النبي صلى الله عليه و سلم – بالسُّورة فيرتِّلها حتَّى تكون أطول من أطول منها " رواه مسلم.
و عن أنس أنه سئل عن قراءة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال: " كانت مدًا , ثم قرأ بسم الله الرحمن الرحيم , يمد بسم الله , و يمد الرحمن , و يمد الرحيم " رواه البخاري.
و عن أم سلمة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يقطِّع قراءته , يقرأ: الحمد لله ربّ العالمين , ثم يقف , الرحمن الرحيم , ثم يقف " رواه الترمذي و صححه الألباني. و قد استدل بالآية على أن الترتيل و التدبُّر , مع قلة القراءة أفضل من سرعة القراءة مع كثرتها , لأن المقصود من القرآن فهمه و تدبُّره , و الفقه فيه , و العمل به.
(إنّا سنلقي عليك قولا ثقيلا) أي نوحي إليك هذا القرآن الثقيل. فإنه ثقيل مهيب ذو تكاليف العمل بها ثقيل , إنها فرائض وواجبات , أعلمه ليوطن نفسه على العمل و يهيئها لحمل الشريعة علما و عملا و دعوة.
(إنّ ناشئة الليل هي أشدّ وطئا و أقوم قيلا) إن قيام الليل أقرب إلى تحصيل مقصود القرآن من جعل السمع يواطئ القلب على فهم معاني القرآن و تدبُّرها , بخلاف النهار , فإنه لا يحصل به هذا المقصود , لأنه وقت انتشار الناس و لغط الأصوات و أوقات المعاش.
(إنّ لك في النّهار سبحا طويلا) يخبر تعالى رسوله بأن له في النهار أعمالا تشغله عن قراءة القرآن فلذا أرشده إلى قيام الليل و ترتيل القرآن لتفرغه من عمل النهار.
(و اذكر اسم ربّك) أي دم على ذكره ليلا نهارا. قال الزمخشري: و ذكر الله يتناول كل ما كان من ذكر طيب: تسبيح و تهليل و تكبير و تمجيد و توحيد و صلاة و تلاوة قرآن , و دراسة علم , و غير ذلك مما كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يستغرق به ساعات ليله و نهاره.
(و تبتّل إليه تبتيلا) أخلص له العبادة , و اصرف له طلبك لكل حاجة من أمر دينك أو دنياك.
(ربُّ المشرق و المغرب لا إله إلاّ هو فاتخذه وكيلا) أي: هو المالك المتصرف في المشارق و المغارب و ما يكون فيها , الذي لا تنبغي العبادة إلا له و لا تصح الألوهية إلا له. و كما أفردته بالعبادة فأفرده بالتوكل في كل ما يهمك فإنه يكفيك و هو على كل شيء قدير.
(و اصبر على ما يقولون و اهجرهم هجرا جميلا) يقول تعالى آمرًا رسوله صلى الله عليه و سلم بالصبر على ما يقوله من كذبه من سفهاء قومه – كقولهم هو ساحر و شاعر و كاهن و مجنون و ما إلى ذلك – و أن يهجرهم هجرا لا عِتاب معه و لا أذية فيه و بالإعراض عن مكافأتهم بالمثل , كما قال تعالى " و دَعْ أذاهم و توكّل على الله ".
(و ذرني و المكذّبين) أي: دعني و إيّاهم , و كِلْ أمرهم إليّ , فإن بي غنية عنك في الإنتقام منهم.
(أولي النّعمة) أي: أصحاب النعمة و الغنى , الذين طغوا حين وسّع الله عليهم من رزقه , و أمدهم من فضله كما قال تعالى " كلاّ إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ".
(و مهّلهم قليلا) أي: تمهل عليهم زمانا و لا تستعجل فإني كافيكهم , قال تعالى " نُمتّعهم قليلا ثمّ نضطّرهم إلى عذاب غليظ ".
(إنّ لدينا أنكالا و جحيما و طعاما ذا غصّة و عذابا أليما) أي: عندنا للمكذبين بك في الآخرة قيودا من حديد و نارا مستعرة محرقة , و طعاما ذا غصّة لمرارته و بشاعته , و كراهة طعمه و ريحه الخبيث المنتن , فلا يستسيغه آكله و هو مع كل هذا ينشب في الحلق فلا يدخل و لا يخرج. و عذابا موجعا مفظعا.
(يوم ترجف الأرض و الجبال) أي: تضطرب و ترتجّ بالزلزال.
(و كانت الجبال كثيبا مهيلا) أي: تصير ككثبان الرمل بعدما كانت حجارة صماء , ثم إنها تنسف نسفا فلا يبقى منها شيء إلا ذهب , حتى تصير الأرض مستوية لاشيء فيها منخفض و لاشيء فيها مرتفع.
يتبع ...
¥