ـ[عبدالحي]ــــــــ[10 - Oct-2008, صباحاً 10:58]ـ

تتمة تفسير سورة المدثر

(و ما يعلم جنود ربك إلا هو) أي: ما يعلم عددهم و كثرتهم إلا هو تعالى , لئلا يتوهم متوهم أنهم تسعة عشر فقط. و قد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين و غيرهما عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في صفة البيت المعمور الذي في السماء السابعة: " فإذا هو يدخله في كل يوم سبعون ألف ملك , لا يعودون إليه آخر ما عليهم ".

(و ما هي إلاّ ذكرى للبشر) أي جهنم إلا تذكرة يذّكرون بها عظمة الله , و يخافون بها عقابه.

(كلاّ) ردع لمن أنكر العدة أو سقر أو الآيات. أو إنكار لأن تكون لهم ذكرى لأنهم لا يتذكرون.

(و القمر و الليل إذا أدبر) أقسم الله تعالى بالقمر و بالليل إذا ولّى ذاهبا بطلوع الفجر.

(و الصبح إذا أسفر) أي أضاء و أقبل.

(إنها لإحدى الكُبر) أي إن النار لإحدى الأمور العظام.

(نذيرا للبشر) أي إنذارا لبني آدم. و قال نذيرا و لم يقل نذيرة و هي جهنم لأنها بمعنى العذاب أي عذابها نذير للبشر.

(لمن شاء منكم أن يتقدم) في طاعة الله و رسوله حتى يبلغ الدرجات العلا (أو يتأخر) و من شاء أن يتأخر في معصية الله و رسوله حتى ينزل الدركات. قال تعالى " و قل الحق من ربكم , فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر ".

(كلّ نفس بما كسبت رهينة) كلُّ نفس موثقة بسعيها و عملها يوم القيامة.

(إلاّ أصحاب اليمين) فإنهم فكوا رقابهم بما أطابوه من كسبهم , كما يخلص الراهن رهنه بأداء الحق.

(في جنّات) في جنات لا يدرك وصفها قد حصل لهم بها جميع مطلوباتهم , و تمت لهم الراحة و الطمأنينة.

(يتساءلون , عن المجرمين) أي: يسألون المجرمين و هم في الغرفات و أولئك في الدركات.

(ما سلككم في سقر) أي: أي شيء أدخلكم جهنم؟ و بأي ذنب استحققتموها؟

(قالوا لم نك من المصلين و لم نك نطعم المسكين , و كُنّا نخوض مع الخائضين و كُنّا نكذّب بيوم الدين حتّى أتانا اليقين) فذكروا لهم أعظم الجرائم و هي ترك الصلاة و منع الزكاة و التخوض مع أهل الباطل في كل شر و فساد و التكذيب بيوم القيامة و أنه لا حساب و لا ثواب و لا عقاب , و أنهم مع هذه الجرائم الموجبة للسلوك في سقر لم يتوبوا منها حتى أتاهم اليقين الذي هو الموت فرأوا ما كانوا ينكروه عيانا.

(فما تنفعهم شفاعة الشافعين) أي: من كان متصفا بمثل هذه الصفات فإنه لا تنفعه يوم القيامة شفاعة شافع , لأن الشفاعة إنما تنجع إذا كان المحل قابلا , فأما من وافى الله كافرا يوم القيامة فإنه له النار لا محالة , خالدا فيها. قال ابن جرير: فما يشفع لهم الذين شفّعهم الله في أهل الذنوب من أهل التوحيد , فتنفعهم شفاعتهم.

و في هذه الآية دلالة واضحة على أن الله تعالى ذكره , مشفّع بعض خلقه في بعض.

(فمالهم عن التذكرة معرضين) فمالهؤلاء المشركين المكذبين بالبعث و الجزاء عن تذكرة الله إياهم بهذا القرآن معرضين , لا يستمعون لها , فيتعظوا و يعتبروا.

(كأنّهم حُمُر مستنفرة , فرّت من قسورة) كأنّهم في نفارهم عن الحق , و إعراضهم عنه حُمُر من حمر الوحش إذا فرّت ممن يريد صيدها من أسد أو عصبة قنص من الرماة.

(بل يريد كلُّ امرئٍ منهم أن يؤتى صُحُفا منشَّرة) بل يريد كل واحد من هؤلاء المشركين أن ينزل عليه كتابا كما أنزل على النبي صلى الله عليه و سلم – كقوله تعالى " و إذا جاءتهم آية قالوا لن نؤمن حتى نُؤتى مثل ما أوتي رسل الله " و قوله " و لن نُؤمن لك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه " – بزعم أنهم لن ينقادوا للحق إلا بذلك , و قد كذبوا , فإنهم لو جاءتهم كل آية لم يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم , فإنهم جاءتهم الآيات البينات التي تبين الحق و توضحه , فلو كان فيهم خيرا لآمنوا.

(كلاّ) أي لا يكون مرادهم , و لا يتبع الحق أهواءهم و هم ما قصدوا بذلك إلا التعجيز.

(بل لا يخافون الآخرة) أي لا يؤمنون بالبعث و الجزاء , و لا يخشون العقاب , لإيتارهم العاجلة , فذلك الذي دعاهم إلى الإعراض عن تذكرة الله , و الإباء عن الإيمان بتنزيله.

(كلا إنه تذكرة , فمن شاء ذكره) أي ألا إن هذا القرآن تذكرة فمن شاء قرأه فاتعظ به فآمن بالله و اتقاه فإنه ينجو و يسعد في جوار مولاه , و من لم يشأ فحسبه سقر و ما أدراك ما سقر.

(و ما يذكرون إلآّ أن يشاء الله) أي ذكرهم و اتعاظهم لا يكون إلا بمشيئة الله فلابد من الإفتقار إلى الله و طلب توفيقه في ذلك إذ لا استقلال لأحد عن الله و لا غنى بأحد عن الله.

و هذا فيه ترويح لقلبه صلوات الله عليه , مما كان يخامره من إعراضهم , و يحرص عليه من إيمانهم.

(هو أهل التقوى و أهل المغفرة) هو أهل أن يُخاف منه و يتقى عقابه , و يؤمن به و يطاع , و أهل أن يغفر ذنب من تاب إليه و أناب.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015