(و ثيابك فطهّر) أي طهر ثيابك من النجاسات مخالفا بذلك ما عليه قومك. قال ابن زيد: كان المشركون لا يتطهرون , فأمره الله أن يتطهر , و أن يطهر ثيابه.
(و الرّجز فاهجر) أي و الأصنام التي يعبدها قومك فاهجرها و اتركها و لا تقربها.
(و لا تمنن تستكثر) لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها , بمعنى: لا تعط شيئا لتعطى أكثر منه.
(و لربّك فاصبر) إجعل صبرك على أذى المشركين لوجه الله عز و جل.
(فإذا نُقر في الناقور) فإذا نفخ في الصور – قال مجاهد: و هو كهيئة القرن – للقيام من القبور , و جمع الخلق للبعث و النشور.
(فذلك يومئذ يوم عسير) أي صعب لا يحتمل و لا يطاق لكثرة أهواله و شدائده.
(على الكافرين غير يسير) أي: غير سهل عليهم , كما قال تعالى " يقول الكافرون هذا يوم عسر ". و في هذه الآية دليل على أن حال المؤمنين في عرصات القيامة غير حال الكافرين في الشدة و البلاء.
يقول الله تعالى متوعدا لهذا الخبيث – و هو الوليد بن المغيرة حيث نزلت فيه هذه الآيات الآتية – الذي أنعم الله عليه بنعم الدنيا فكفر بأنعم الله , و بدلها كفرا , و قابلها بالجحود بآيات الله و الإفتراء عليها , و جعلها من قول البشر.
وقد عدد الله عليه نعمه حيث قال:
(ذرني و من خلقت وحيدا) أي دعني و الذي خلقته منفردا , بلا مال و لا أهل , و لا غيره , فلم أزل أنميه و أعطيه. عن ابن عباس: كان الوليد يقول أنا الوحيد ابن الوحيد ليس لي في العرب نظير و لا لأبي المغيرة نظير.
(و جعلت له مالا ممدودا) أي واسعا كثيرا.
(و بنين شهودا) قال مجاهد: " لا يغيبون , أي: حضورا عنده لا يسافرون بالتجارات , بل مواليهم و أجراؤهم يتولون ذلك عنهم و هم قعود عند أبيهم يتمتع بهم و يتملّى بهم ". و هذا أبلغ في النعمة.
(و مهّدت له تمهيدا) أي بسطت له في العيش و العمر و الولد و الجاه العريض في ديار قومه حتى كان يلقب بريحانة قريش.
(ثم يطمع أن أزيد) يطمع أن ينال نعيم الآخرة كما نال نعيم الدنيا.
(كلا) أي لا يكون ما يأمل و يرجو.
(إنّه كان لآياتنا عنيدا) أي: معاندا , عرفها ثم أنكرها , و دعته إلى الحق فلم ينقد لها.
(سأرهقه صعودا) أي: سأكلفه عذابا شاقا لا قِبل له به , و لا راحة فيه.
(إنّه فكّر) أي ماذا يقول في هذه الآيات الكريمات و الذكر الحكيم.
(و قدّر) أي في نفسه ما يقوله و هيّأه
(فقتل كيف قدّر) أي لعن , كيف قدّر ذلك الإفتراء الباطل , و اختلق ما يكذبه وجدانه فيه.
(ثم قتل كيف قدّر) تكرير للمبالغة في التعجب منه , و قد اعتيد فيمن عجب غاية العجب أنه يكثر من التعجب و يكرره. و " ثم " للدلالة على الثانية أبلغ في التعجب من الأولى للعطف ب " ثم " الدالة على تفاوت الرتبة. فكأنه قيل: قتل بنوع ما من القتل , لا بل قتل بأشده و أشده. و لذا ساغ العطف فيه , مع أنه تأكيد.
(ثمّ نظر) أي: أعاد النظرة و التروي في ذلك المقدّر. قال الرازي: و هذه المرتبة الثالثة من أحوال قلبه. فالنظر الأول للإستخراج , و اللاحق للتقدير , و هذا هو الإحتياط.
(ثم عبس) أي قبض ما بين عينيه , و قطب وجهه كِبرا و تهيؤا لقذف تلك الكبيرة.
(و بسر) أي كلح وجهه فاسودّ. شأن اللئيم في مراوغته و مخاتلته , و الحسود في آثار حقده على صفحات وجهه.
(ثم أدبر و استكبر) أي: صُرف عن الحق , و رجع القهقري مستكبرا عن الإنقياد للقرآن.
(فقال إن هذا إلا سحر يؤثر) أي: هذا سحر ينقله محمد عن غيره ممن قبله و يحكيه عنهم , و لهذا قال (إن هذا إلاّ قول البشر).
(سأصليه سقر) سأغمره في نار جهنم من جميع جهاته
(و ما أدراك ما سقر) هذا تهويل لأمرها و إظهار لعظمتها.
(لا تبقي و لا تذر) أي: تأكل لحومهم و عروقهم و عَصبهم و جلودهم , ثم تُبدل غير ذلك , و هم في ذلك لا يموتون و لا يحيون.
(لوَّاحة للبشر) أي: تحرق الجلود و تسوّدها.
(عليها تسعة عشر) أي على سقر ملائكة عظيم خَلقهم , غليظ خُلقهم , يقال لهم الخزنة وعدتهم تسعة عشر ملكا.
(و ما جعلنا أصحاب النّار) أي خزنتها.
(إلاّ ملائكة) و هم أقوى الخلق بأسا , و أشدهم غضبا لله , لا يقاومون و لا يغالبون.
(و ما جعلنا عدّتهم إلا فتنة للذين كفروا) إنما ذكرنا عدّتهم أنهم تسعة عشر اختبارا منّا للناس و فتنة يفتتن بها الكافرون , فيجعلوها موضع البحث و الهزء.
(ليستيقن الذين أوتوا الكتاب) أي: يعلمون أن هذا الرسول حق , فإنه نطق بمطابقة ما بأيديهم من الكتب السماوية المنزلة على الأنبياء قبله.
(و يزداد الذين آمنوا إيمانا) أي: يزداد الذين آمنوا إيمانا فوق إيمانهم بما يشهدون من صدق إخبار نبيهم محمد صلى الله عليه و سلم.
(و لا يرتاب الذين أوتوا الكتاب و المؤمنون) أي: حتى لا يقعوا في ريب و شك في يوم من الأيام لما اكتسبوا من المناعة بتضافر الكتابين على حقيقة واحدة.
(و ليقول الذين في قلوبهم مرض) أي: شك و شبهة و نفاق.
(و الكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا) أي: أي شيء أراده الله بهذا الخبر الغريب , خبر عدَّة خزنة جهنّم , قالوا هذا استنكارا و تكذيبا.
(كذلك يضل الله من يشاء و يهدي من يشاء) أي: مثل إضلال مُنكر هذا العدد و هُدى مصدقه , يضل الله من يشاء إضلاله , فيجعل ما أنزله على رسوله زيادة شقاء عليه و حيرة , و يهدي من يشاء هدايته , فيجعل ما أنزله الله على رسوله رحمة في حقه , و زيادة في إيمانه و دينه.
يتبع .....
¥