وكم ضل أقوام في هذا الباب بسبب حماساتهم وغلوهم في تقليد بعض المشايخ التقليد المذموم حتى أخرجوا من ثبتت سلفيته عن السلفية والسنة مع أنه لا حجة معهم إلا الغلو في التقليد، وإذا أبينت لهم الحجة ردوها بحجة التقليد الذي لا قيمة له في مقابل الأدلة الشرعية.
وأذكر إخواني بعدم إكثار المجادلة في مسائل العلم وأن يكونوا حذرين في هذا فإنه يقسي القلوب من جهة ويورث البغضاء والانتقام للنفوس من جهة أخرى إلا من رحم الله وقليل ما هم، وليس معنى هذا عدم مباحثة العلم ومذاكرته فإنه مطلب عظيم لكن المجادلة والمطالبة شيء والمباحثة شيء آخر.
قال الإمام الآجري في كتابه "الشريعة" (1/ 63): قال محمد بن الحسين: فإن قال قائل: هذا الذي ذكرته وبينته قد عرفناه، فإذا لم تكن مناظرتنا في شيء من الأهواء التي يذكرها أهل الحق، ونهينا عن الجدال والمراء والخصومة فيها، فإن كانت عن الفقه في الأحكام مثل الطهارة والصلاة والزكاة والصيام والحج والنكاح والطلاق، وما أشبهه ذلك من الأحكام، فهل مباح لنا أن نتناظر فيه ونتجادل، أم هو محظور علينا، عرفنا ما يلزم فيه؟ كيف السلامة منه؟
قيل له: هذا الذي ذكرته ما أقل من سلم من المناظرة فيه، حتى لا يلحقه فيه فتنة ولا مأثم، ويظفر به الشيطان.
فإن قال: كيف؟ قيل له: هذا، قد كثر في الناس جداً في أهل العلم والفقه في كل بلد يناظر الرجل لرجل يريد مغالبته، ويعلو صوته، والاستظهار عليه بالاحتجاج، فيحمر لذلك وجهه، وتنتفخ أوداجه، ويعلو صوته، وكل واحد منهما يحب أن يخطىء صاحبه، وهذا الرأي من كل واحد منهما خطأ عظيم، لا تحمد عواقبه ولا تحمده العلماء من العلماء، لأن مرادك أن يخطىء مناظرك خطأ منك، ومعصية عظيمة، ومراده: أن تخطىء خطأ منه، ومعصية، فمتى يسلم الجميع له؟
فإن قال قائل: فإنما نتناظر لتخرج لنا الفائدة؟. قيل له: هذا كلام ظاهر، وفي المناظرة غيره. وقيل له: إن أردت وجه السلامة في المناظرة لطلب الفائدة، كما ذكرت، فإذا كنت أنت حجازياً، والذي يناظرك عراقياً، وبينكما مسألة، تقول أنت، ويقول هو، بل هو حرام، فإن كنتما تريدان السلامة، وطلب الفائدة، فقل له: رحمك الله، هذه المسألة، قد اختلف فيها من تقدم من الشيوخ، فتعال حتى نتناظر فيها مناصحة، لا مغالبة، فإن يكن الحق فيها معك اتبعتك، وتركت قولي، وإن يكن الحق معي اتبعتني وتركت قولك، لا أريد أن تخطىء ولا أغالبك، ولا تريد أن أخطىء ولا تغالبني.
فإن جرى الأمر على هذا فهو حسن جميل، وما أعز هذا في الناس.
فإذا قال كل واحد منهما: لا نطيق هذا، وصدقا عن أنفسهما. قيل لكل واحد منهما: قد عرفت قولك وقول أصحابك واحتجاجهم، وأنت فلا ترجع عن قولك، وترى أن خصمك كذلك، فما بكما إلى المجادلة والمراء والخصومة حاجة إذاً. كل واحد منكما ليس يريد الرجوع عن مذهبه، وإنما مراد كل واحد منكما أن يخطىء صاحبه، فأنتما آثمان بهذا المراء، وأعاذ الله تعالى العلماء الفضلاء عن هذا المراد.
فإذا لم تجر المناظرة على المناصحة فالسكوت أسلم، قد عرفت ما عندك وما عنده وعرف ما عنده وما عندك. والسلام ا. هـ
التنبيه السابع/ إننا مأمورون أن نقيد أفهامنا للقرآن والسنة بفهم السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان كما قال تعالى (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)
وهذا شامل لمسائل الاعتقاد والفقه والتعبد والسلوك، ومن التناقض أن نتمسك بفهم السلف في باب الاعتقاد والدعوة إلى الله ونهمله أو نكاد في باب الفقه.
ومن المذاهب البدعية التي أنكرها السلف مذهب داود الظاهري ومن تبعه من الظاهرية لأسباب أربعة ذكر ابن القيم في " أعلام الموقعين " وهي رد القياس الصحيح والجمود على ظاهر النص والتوسع في الاستصحاب وجعل عقود المسلمين وشروطهم على البطلان حتى يدل دليل على ذلك.
¥