قال الشوكاني في " إرشاد الفحول " (1/ 421): الشرط الرابع: إن يكون عالماً بعلم أصول الفقه لاشتماله على نفس الحاجة إليه، وعليه إن يطول الباع فيه، ويطلع على مختصراته ومطولاته بما تبلغ به طاقته، فان هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان بنائه، وعليه أيضا أن ينظر في كل مسألة من مسائله نظراً يوصله إلى ما هو الحق فيها فإنه إذا فعل ذاك تمكن من رد الفروع إلى أصولها بأيسر عمل، وإذا قصر في هذا الفن صعب عليه الرد وخبط فيه وخلط. قال الفخر الرازي في المحصول وما أحسن ما قال: أن أهم العلوم للمجتهد علم أصول الفقه انتهى. قال الغزالي إن أعظم علوم الاجتهاد يشتمل على ثلاثة فنون الحديث واللغة وأصول الفقه ا. هـ
ومرادي علم أصول الفقه العملي لا النظري ولا الكلامي، فإنه يصح للمجتهد أن يكون مجتهداً مع كونه مقلداً في علم الحديث بخلاف علم الأصول، فإنه لا يصح أن يكون مجتهداً وهو لا يعرف أصول الفقه العملي.
وليس معنى هذا التزهيد في علم المصطلح وبقية علوم الآلة، ولكن بيان منزلة علم أصول الفقه وقد حاولت تقريبه بشرح ميسر على كتاب الأصول من علم الأصول لشيخنا محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -
ثم بشرح أوسع وأكثر في إيراد المسائل الأصولية في شرح على متن الورقات
التنبيه الرابع / إن دراسة الفقه على المتون الفقهية أنفع من دراسته على كتب أحاديث الأحكام كبلوغ المرام وعمدة الأحكام.
وذلك لأمور منها أن الفقه أرتب في ذكر المسائل، فتجد مسائل المياه مجموعة مرتبة. وأيضاً مسائل المتون الفقهية أكثر من مسائل الكتب الحديثة، وذلك أنها تذكر المسائل التي دل عليها القرآن والسنة والإجماع والقياس الصحيح وهكذا ...
أما متون أحاديث الأحكام؛ فإنها تذكر المسائل التي دل عليها دليل السنة فحسب. إلى غير ذلك من الأسباب في تفضيل دراسة الفقه عن طريق المتون الفقهية مع العلم أن حفظ كتب أحاديث الأحكام أولى من حفظ متون الفقه، ثم إن تعصب دارس هذه المتون إليها لا يجوز بحال وإنما يدرسها صاحبها كالفهرس الجامع المرتب لمسائل الفقه.
وقد بينت ذلك وبعض ما يعين على تأصيل العلم في درس مسجل بعنوان (مهمات في طلب العلم)
ومما ينبغي أن يعلم أن انتساب الرجل إلى مذهب معين لبيان أنه تفقه عليه بلا تعصب ليس مذموماً، فإن هذا من باب الإخبار كانتساب الرجل إلى قبيلته، وقد درج على هذا كثير من العلماء المحققين السلفيين من الماضين والمعاصرين.
وكثير ممن يدرس الفقه على أحاديث الأحكام فحسب يحصل عنده نقص كبير في تصور مسائل الفقه ولا يستطيع في كثير من الحالات إفادة العامة وإفتائهم لأنه لم يدرس أكثر مسائل الفقه.
التنبيه الخامس/ إن الرد على المخالف أصل عظيم من أصول الإسلام وهو من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ودرج عليه سلفنا تبعاً لنبيهم محمد صلى الله عليه وسلم، لكن هذا الرد لا يكون إلا بسلاح العلم ومن لم يكن ذا علم لم يجز له ركوب هذا المركب الصعب العظيم الأجر.
إنه بنور العلم والوحي يتبين ما يلزم الرد عليه مما لا يلزم، وبنور العلم والوحي يكون الرد مقنعاً،وبنور العلم و الوحي يكون الرد موافقاً للشريعة بعيداً عن الأخطاء العقدية والعلمية.
إنه بنور العلم والوحي لا يكون الرجل مقلداً غيره، ومن أسوأ مضار التقليد غير المشروع أن يكون المرء غالياً في الأشخاص متعصباً لهم.
اللهم إنا نسألك بما أنت أهله أن تجعلنا وإخواننا فرساناً للسنة نذود عن حياضها على ما يرضيك عنا.
التنبيه السادس/ إن العلم إذا أطلق في الشرع على وجه الثناء والمدح فإن المراد به علم الكتاب والسنة كقوله (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) فلا يطلق على علم الطب ولا علم الهندسة ولا غيرهما.
ومما يوضح أن العلم الشرعي لا يطلق على هذه العلوم الدنيوية أن رسول اله صلى الله عليه وسلم لم يرسل طبيباً ولا مهندساً وإنما أرسل بالوحي وهو العلم الشرعي قال تعالى (وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ)
ومما أحب تأكيده أنه بمقتضى الوحي -وهو العلم الشرعي- لا بمقتضى الحماسة والعاطفة يكون الحكم على الناس سواء كانوا جمعات أو أفراداً.
¥