(و يطعمون الطّعام على حبّه) و يطعمون الطعام في حال محبتهم و شهوتهم له كقوله تعالى " و آتى المال على حُبّه " , و كقوله تعالى: " لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا ممّا تحبون ". و في صحيح مسلم: " أفضل الصدقة أن تصدّق و أنت صحيح , شحيح , تأمل الغنى , و تخشى الفقر ". فهم يقدمون محبة الله على محبة نفوسهم.

(مسكينا و يتيما و أسيرا) و إنما اقتصر على الثلاثة لأنهم من أهم من تجدر الصدقة عليهم. فإن المسكين عاجز عن الإكتساب لما يكفيه. و اليتيم مات من يعوله و يكتسب له , مع نهاية عجزه بصغره. و الأسير لا يملك لنفسه نصرا و لا حيلة.

(إنما نطعمكم لوجه الله) أي لا نقصد بإطعامكم إلا ثوابه تعالى و القربة إليه و الزلفى عنده.

(لا نريد منكم جزاءً و لا شكورا) لا نطلب منكم مجازاة تكافئونا بها في يوم ما من الأيام , و لا أن تشكرونا عند الناس. قال مجاهد و سعيد بن جبير: أما و الله ما قالوه بألسنتهم , و لكن علم الله به من قلوبهم , فأثنى عليهم به ليرغب في ذلك راغب.

(إنّا نخاف من ربّنا يوما عبوسا قمطريرا) إنما نفعل هذا لعل الله أن يرحمنا و يتلقانا بلطفه , في يوم ضيق شدي الجهمة و الشر , ثقيلا طويلا لا يطاق.

(فوقاهم الله شرّ ذلك اليوم) أي: آمنهم مما خافوا منه , فلا يحزنهم الفزع الأكبر , و تتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون.

(و لقّاهم نضرة و سرورا) أي: أكرمهم و أعطاهم نضرة في وجوههم , و سرورا في قلوبهم , فجمع لهم بين نعيم الظاهر و الباطن. و هذه كقوله تعالى: " وجوه يومئذ مّسفرة. ضاحكة مستبشرة ".

(و جزاهم بما صبروا) بسبب صبرهم على فعل الصالحات و عن ترك المحرمات , أعطاهم و توَّلهم و بوَّأهم (جنّة و حريرا) منزلا رحبا , و عيشا رَغَدًا , و لباسا حسنا.

(متّكئين فيها على الأرائك) الإتكاء: التمكن من الجلوس , في حال الرفاهية و الطمأنينة , و الأرائك و هي السرر التي عليها اللباس المزين.

(لا يرون فيها شمسا و لا زمهريرا) أي: ليس عندهم حرّ مزعج , و لا برد مؤلم , بل جميع أوقاتهم في ظل ظليل , لا حر و لا برد , بحيث تلتذ الأجساد , و لا تتألم من حر و لا برد.

(و دانية عليهم ظلالها) أي قريبة منهم أشجارها , فهي تظللهم و يجدون فيها لذة التظليل و راحته و متعته و إن لم يكن هناك شمس تستلزم الظل.

(و ذلّلت قُطُوفها تذليلا) أي قربت ثمراتها من مريدها تقريبا ينالها , و هو قائم , أو قاعد , أو مضطجع , فلا شوك به و لا بُعد فيه , سهل التناول لأن الدار دار نعيم و سعادة و راحة و روح و ريحان.

(و يطاف عليهم بآنية من فضة و أكواب كانت قواريرا , قواريرا من فضة) أي: يطوف عليهم الخَدَم بأواني الطعام , و هي من فضة , و أكواب الشراب و هي الكيزان التي لا أذن فيها , يرى باطنها من ظاهرها لصفائها. مادتها فضة و صفاؤها صفاء الزجاج. و هذا مما لا نظير له في الدنيا , عن ابن عباس: ليس في الجنة شيء إلا قد أعطيتهم في الدنيا شبهه إلا قوارير من فضة.

(قدّروها تقديرا) أي: قدروا الأواني المذكورة على قدر ريّهم , لا تزيد و لا تنقص , بل هي معدَّة لذلك , مقدرة بحسب ريّ صاحبها. و هي كذلك مقدرة على قدر الكف.

(و يسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا) أي: و يسقون – يعني الأبرار أيضا – في هذه الأكواب خمرا , تارة يُمزج لهم بالكافور و هو بارد , و تارة بالزنجبيل و هو حار , ليعتدل الأمر , و هؤلاء يمزج لهم من هذا تارة و من هذا تارة. و أما المقربون فإنهم يشربون من كل منهما صِرْفًا.

(عينا فيها تسمى سلسبيلا) أي: الزنجبيل عين في الجنة تسمى سلسبيلا , و ذلك لسلاسة سيلها و حدّة جَريها , و لسلاستها في الحلق أيضا.

(و يطوف عليهم ولدان مخلّدون) و يطوف على أهل الجنة للخدمة ولدان من ولدان الجنّة , لا يتغيرون و لا يكبرون و لا يموتون , و هم في غاية الحسن.

(إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا) إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة , و كثرتهم , و صباحة وجوههم , و حُسن ألوانهم و ثيابهم و حليهم , حسبتهم لؤلؤا منثورا. و لا يكون في التشبيه أحسن من هذا , و لا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015