(لا ظليل و لا يُغني من اللهب) أي: ظل الدخان المقابل للهب ليس ظلا حقيقيا كظل الشجرة و الجدار فيكن و يستر , بل هو ظل لا راحة فيه و لا طمأنينة , بحيث من يمكث فيه , لا يقيه حر اللهب , و لا يردّ عنه من لهب النار شيئا.

(إنها ترمي بشرر كالقصر) أي: يتطاير الشرر من لهيب النار كالقصر , في عظمه و كبره و ارتفاعه , و هذا دال على عظم نار جهنم و فظاعتها و سوء منظرها.

(كأنه جمالات صفر) أي: الشررة كالجمل – في هيئتها و لونها – الأصفر و هو الأسود المائل إلى الصفرة , و هذا يدل على أن النار مظلمة , لهبها و جمرها و شررها , و أنها سوداء , كريهة المرأى , شديدة الحرارة.

(ويل يومئذ للمكذبين) يتوعد الله تعالى المكذبين به و بآياته و لقائه و رسوله صلى الله عليه و سلم.

(هذا اليوم لا ينطقون) أي هذا اليوم العظيم الشديد على المكذبين , لا ينطقون فيه بشيء من الخوف و الوجل الشديد.

(و لا يُؤذن لهم فيعتذرون) أي: لا يمهد لهم الإذن في الإعتذار , لعدم قبول معذرتهم بقيام الحجة عليهم.

و عرصات يوم القيامة حالات , و الرب تعالى يخبر مرة باعتذارهم و كلامهم في موطن , و ينفيه في آخر , إذ هو ذاك الواقع , في مواطن يتكلمون بل يحلفون كاذبين و في مواطن يغلب عليهم الخوف فلا يتكلمون بشيء و في مواطن يطلب منهم أن يتكلموا فيتكلموا و في أخرى لا.

(ويل يومئذ للمكذبين) وعيد لكل المكذبين بهذا و بغيره.

(هذا يوم الفصل جمعناكم و الأوّلين) يقال لهم يوم القيامة و هم في عرصاتها: هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون جمعناكم فيه أيها المكذبون من هذه الأمة و المكذبين الأولين من قبلها.

(فإن كان لكم كيد فكيدون) إن قدرتم على أن تتخلصوا من قبضتي , و تنجوا من حكمي فافعلوا , فإنكم لا تقدرون على ذلك , كما قال تعالى " يا معشر الجنّ و الإنس إن استطعتم أن تنفذوا من أقطار السماوات و الأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان " , و قال تعالى " و لا تضرُّونه شيئا " , وفي الحديث: " يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضرّي فتضرّوني " رواه مسلم.

ففي ذلك اليوم , تبطل حيل الظالمين , و يضمحل مكرهم و كيدهم ,و يستسلمون لعذاب الله , و يبين لهم كذبهم في تكذيبهم.

(ويل يومئذ للمكذبين) أي: ويل يوم إذ يجيء يوم الفصل للمكذبين.

من باب الترغيب و الترهيب و هو أسلوب امتاز به القرآن الكريم , ذكر تعالى ما للمتقين من نعيم مقيم بعد ذكر ما للمكذبين الضالين من عذاب الجحيم فقال تعالى:

(إن المتقين) أي: الذين اتقوا ربهم فآمنوا به و أطاعوه بأداء الواجبات , و ترك المحرمات.

(في ظلال و عيون) في ظلال أشجار الجنة الوارفة , و عيون من ماء و لبن و خمر و عسل , جارية من السلسبيل , و الرحيق و غيرهما.

(و فواكه ممّا يشتهون) و فواكه كثيرة منوعة مما يشتهون – أي يتمنون إذ أكلهم للذة الأكل لا للحفاظ على الجسم كما هي الحال في الدنيا – على خلاف الدنيا , إذ الناس يأكلون مما يجدون فلو اشتهوا شيئا و لم يجدوه ما أكلوه , و أما دار النعيم فإن المرء ما اشتهى شيئا إلاّ وجده و أكله و هذا السر في التعبير في غير موضع بكلمة مما يشتهون.

(كلوا و اشربوا) من المآكل الشهية , و الأشربة اللذيذة.

(هنيئا) أي: من غير منغص و لا مكدر , و لا يتم هناؤه , حتى يسلم الطعام و الشراب من كل آفة و نقص , و حتى يجزموا أنه غير منقطع و لا زائل.

(بما كنتم تعملون) من الصالحات و تتركون من السيئات , فأعمالكم هي السبب الموصل لكم إلى هذا النعيم المقيم.

(إنّا كذلك نجزي المحسنين) أي: هذا جزاؤنا لمن أحسن العمل.

(ويل يومئذ للمكذبين) هذا توعد بالعذاب الأليم لمن يكذب بوعيد الله هذا ووعده ذاك. و لو لم يكن لهم من هذا الويل إلا فوات هذا النعيم , لكفى به حرمانًا و خُسْرانًا.

(كلوا و تمتّعوا قليلا إنّكم مجرمون) هذا تهديد ووعيد للمكذبين , أنهم و إن أكلوا في الدنيا و شربوا و تمتعوا باللذات , و غفلوا عن القربات , فإنهم مجرمون , يستحقون ما يستحقه المجرمون , فستنقطع عنهم اللذات و تبقى عليهم التبعات.

(ويل يومئذ للمكذبين) كما قال تعالى " نُمتّعهم قليلا ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ " , و قال تعالى: " إنّ الذين يفترون على الله الكذِب لا يفلحون , متاع في الدّنيا ثمّ إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون ".

(و إذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) أي: إذا أمر هؤلاء الجهلة من الكفار أن يكونوا من المصلين مع الجماعة , امتنعوا من ذلك و استكبروا عنه.

(ويل يومئذ للمكذبين) الذين كذبوا رسل الله , فردوا عليهم ما بلغوا من أمر الله إياهم و نهيه لهم.

(فبأيّ حديث بعده يؤمنون) أي: فبأي كتاب يؤمن هؤلاء المكذبون إذا لم يؤمنوا بالقرآن و ذلك لما فيه من الخير و الهدى و لما يدعو إليه من السعادة و الكمال , كما أنه معجز بألفاظه و معانيه , بخلاف الكتب و غيره , فمن لم يؤمن به لا يرجى له أن يؤمن بغيره بحال من الأحوال.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015