(فالملقيات ذكرا) و هي الملائكة تلقي بالوحي على من اصطفى الله تعالى من عباده.
(عذرا أو نذرا) أي: إعذارا و إنذار للناس , تنذر الناس ما أمامهم من المخاوف , و تقطع معذرتهم , فلا يكون لهم حجة على الله.
(إنّما توعدون لواقع) - هذا هو المقسم عليه بهذه الأقسام - , أي: ما وعدتم به من قيام الساعة , و النفخ في الصور , و بعث الأجساد , و جمع الأولين و الآخرين في صعيد واحد , و مجازاة كل عامل بعمله , إن خيرا فخير و إن شرا فشر , إن هذا كله متحتم وقوعه , من غير شك و لا ارتياب , و عليه فأصلحوا أعمالكم بعد تصحيح نياتكم فإن الجزاء واقع لا يتخلف أبدا و لا يتغير و لا يتبدل.
(فإذا النجوم طُمست) أي: ذهب ضوؤها و محي , كقوله " و إذا النجوم انكدرت " و كقوله " و إذا الكواكب انتثرت ".
(و إذا السماء فُرِجَت) أي انشقت و تصدعت , و تدلت أرجاؤها , و وَهت أطرافها.
(و إذا الجبال نُسِفت) أي اقتلعت من أماكنها بسرعة , ثم فتتت , فلا يبقى لها عين و لا أثر , كقوله تعالى " و يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا , فيذرُها قاعا صفصفا , لا ترى فيها عِوجا و لا أمتا " , و قال سبحانه: " و يوم نُسيِّر الجبال و ترى الأرض بارزة و حشرناهم فلم نُغادر منهم أحدا ".
(و إذا الرُّسل أُقِّتت) أي: أجلت للإجتماع لوقتها يوم القيامة للشهادة على أممهم و الفوز بما وعدوه من الكرامة.
(لأيّ يوم أجّلت) لأي يوم أجلت الرسل و أرجئ أمرها؟ – و الإستفهام للتعظيم و التفخيم و التهويل – و الجواب (ليوم الفصل) و هو يوم القيامة , قال تعالى: " فلا تحسبنّ الله مخلف وعده رسله إنّ الله عزيز ذوانتقام , يوم تبدّل الأرض غير الأرض و السماوات و برزوا لله الواحد القهار ".
(و ما أدراك ما يوم الفصل) و هذا تفخيما لشأنه و إعلاما بهوله.
(ويل يومئذ للمكذبين) أي: يا حسرتهم , و شدة عذابهم , و سوء منقلبهم , أخبرهم الله , و أقسم لهم , فلم يصدقوه , فاستحقوا العقوبة البليغة.
(ألم نُهلك الأولين) أي: أما أهلكنا المكذبين بالرسل و الجاحدين بالآيات من الأمم السابقة كعاد و ثمود و قوم إبراهيم و قوم لوط إلى زمن البعثة النبوية.
(ثمّ نتبعهم الأخرين) ثم نتبعهم بإهلاك من كذب من الآخرين , و هو عيد لأهل مكة.
(كذلك نفعل بالمجرمين) أي كل من أجرم و طغى و بغى , سيكون هلاكه مثل هلاك الأولين.
(ويل يومئذ للمكذبين) قال ابن جرير: أي بأخبار الله التي ذكرها في هذه الآية , الجاحدين قدرته على ما يشاء.
(ألم نخلقكم من ماء مهين) أي: أما خلقناكم أيها الآدميون من نطفة – و هو المنيّ – ضعيفة حقيرة بالنسبة إلى قدرة الباري عز و جل.
(فجعلناه في قرار مكين) يعني جمعناه في الرّحم , و فيه يستقر و ينمو. و الرحم معد لذلك , حافظ لما أودع فيه من الماء.
(إلى قدر معلوم) و هو زمن الولادة , و هي مدة معينة من ستة أشهر أو تسعة أشهر.
(فقدرنا) أي: قدرنا و دبرنا ذلك الجنين , في تلك الظلمات , و نقلناه من النطفة إلى العلقة , إلى المضغة , إلى أن جعله الله جسدا , ثم نفخ فيه الروح , و منهم من يموت قبل ذلك.
(فنعم القادرون) على الخلق و التقدير معا.
(ويل يومئذ للمكذبين) بعدما بين الله لهم الآيات , و أراهم العبر و البينات.
(ألم نجعل الأرض كِفاتا , أحياءً و أمواتا) قال ابن جرير: أي وعاء. و المعنى ألم نجعل الأرض تضمّ أحياءكم و تجمعهم في المساكن و المنازل , و أمواتكم في بطونها في القبور فيدفنون فيها؟
(و جعلنا فيها رواسي شامخات) يعني: الجبال , أرسى بها الأرض لئلا تميد و تضطرب بأهلها.
(و أسقيناكم ماءً فراتا) عذبا زلالاً من السحاب , أو مما أنبعه الله من عيون الأرض.
(ويل يومئذ للمكذبين) ويل لمن تأمل هذه المخلوقات الدالة على عظمة خالقها , ثم بعد هذا يستمر على تكذيبه و كفره.
(إنطلقوا) أي: يقال لهؤلاء المكذبين بهذه النعم و الحجج التي احتج بها عليهم يوم القيامة و هم في عرصاتها , يقال لهم تقريعا و تبكيتا (إنطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون) من عذاب الله للكفرة الفجرة.
¥