(حدائق و أعنابا) أي: بساتين جامعة لأصناف الأشجار الزاهية. و خص الأعناب بذكره لشرفه و كثرته في تلك الحدائق.

(و كواعب أترابا) أي حور نواهدهن مستديرة مع ارتفاع يسير , لشبابهن و قوتهن و نضارتهن , و هن في سن واحدة.

(و كأسا دهاقا) أي ملأى من خمر لذة للشاربين.

(لا يسمعون فيها لغوا و لا كذّابا) لا يسمعون في الجنة باطلا من القول و لا كذابا.

(جزاءً من ربّك عطاءً حسابا) هذا الذي ذكرناه جازاهم الله به جزاءا كافيا وافيا شاملا كثيرا و أعطاهموه , بفضله و منّه و إحسانه و رحمته.

(ربّ السماوات و الأرض و ما بينهما الرحمن) يخبر تعالى عن عظمته و جلاله , و أنه رب السماوات و الأرض و ما فيهما و ما بينهما – أي مالكهما و المتصرف فيهما – و أنه الرحمن الذي شملت رحمته كل شيء.

(لا يملكون منه خطابا) أي: لا يقدر أحد على ابتداء مخاطبته إلا بإذنه كقوله تعالى " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " , و كقوله " يوم يأت لا تكلَّم نفس إلا بإذنه ".

(يوم يقوم الرُّوح) أي جبريل عليه السلام و هو المعبّر عنه بروح القدس في آية أخرى.

(و الملائكة صفا) قال القاشاني: أي صافّين في مراتبهم , كقوله تعالى: " و ما منّا إلاّ له مقام معلوم ". و قال الرازي: يحتمل أن يكون المعنى صفًّا واحدا , و يحتمل أنه صفان , و يجوز صفوفا ... و رجح بعضهم الأخير , لآية " و جاء ربُّك و الملك صفًّا صفًّا ".

(لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن و قال صوابا) أي: لا يتكلمون في الشفاعة كقوله " من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه " و الضمير للملائكة أو أعمّ كقوله " يوم يأت لا تكلَّم نفس إلا بإذنه " قال الزمخشري: هما شريطتان أن يكون المتكلّم منهم مأذونا له في الكلام , و أن يتكلّم بالصواب , فلا يشفع لغير مرتضى لقوله تعالى " و لا يشفعون إلاّ لمن ارتضى ".

(ذلك اليوم الحق) أي الواقع الذي لا يمكن إنكاره و هو يوم الفصل , الذي لا يروج فيه الباطل , و لا ينفع فيه الكذب.

(فمن شاء اتّخذ إلى ربّه مآبا) أي فمن شاء اتخذ بالتصديق بهذا اليوم الحق , و الإستعداد له و العمل بما فيه , مرجعا حسنا يؤوب إليه. و نجاةً له من أهواله.

(إنّا أنذرناكم عذابا قريبا) أي: خوفناكم عذابا قريبا جدا – و كل ما هو آت فهو قريب – يبتدئ بالموت و لا ينتهي أبدا.

(يوم ينظر المرء ما قدمت يداه) أي: يعرض عليه جميع أعماله , خيرها و شرها , قديمها و حديثها , كقوله " ووجدوا ما عملوا حاضرا " , و كقوله " يُنَبَّأُ الإنسان يومئذ بما قدّم و أخّر ".

(و يقول الكافر ياليتني كنت ترابا) أي يود الكافر يومئذ أنه كان في الدار الدنيا ترابا , و لم يكن خُلِقَ , و لا خرج إلى الوجود. و ذلك حين عاين عذاب الله , و نظر إلى أعماله الفاسدة قد سطِّرت عليه بأيدي الملائكة السَّفرة الكرام البررة. و قيل: إنه لم يرى البهائم بعد القصاص لها صارت ترابا , يتمنى الكافر و هو في عذايه أن لو كان ترابا مثل البهائم , و لولا العذاب و شدته و دوامه لما تمنى أن يكون ترابا أبدا.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[26 - Jun-2008, مساء 02:14]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة المرسلات

و تسمى سورة العرف , و هي مكية و آيها خمسون.

أقسم الله تعالى – على البعث و الجزاء بالأعمال – بعدة أشياء من مخلوقاته – و لله أن يقسم بما شاء , و الحكمة من الإقسام أن تسكن النفوس للخبر و تطمئن إلى صدق المخبر فيه و بذلك يحصل الغرض من إلقاء الخبر على السامعين – فقال:

(و المرسلات عرفا) هي الرياح المتتابعة الطيبة العذبة.

(فالعاصفات عصفا) أي الرياح الشديدات الهبوب , السريعات الممرّ , التي قد تعصف بالأشجار و تقتلعها و بالمباني و تهدمها.

(و الناشرات نشرا) هي الرياح المعتدلة التي تنشر السحاب في آفاق السماء - كما يشاء الرب عز و جل – و تفرقه أو تسوقه للإمطار و إنزال المطر , فتحيي الأرض بعد موتها. قال تعالى " و هو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته " , و قال سبحانه " الله الذي يرسل الرّياح فتثير سحابا فيبسطه في السّماء ".

(فالفارقات فرقا) يعني الملائكة , فإنها تنزل بأمر الله على الرسل تفرق بين الحق و الباطل , و الهدى و الغيّ , و الحلال و الحرام.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015