(و بنينا فوقكم سبعا شدادا) أي: السموات السبع في قوتها و صلابتها و شدّتها , و في اتساعها و ارتفاعها و إحكامها و إتقانها , و تزيينها بالكواكب الثوابت و السيارات , و قد أمسكها الله بقدرته , و جعلها سقفا للأرض , لا تفنى و لا تزول إلى أن يأذن سبحانه و تعالى بزوالها.
(وجعلنا سراجا وهّاجا) يعني: الشمس المنيرة على جميع العالم التي يتوهج ضوؤها لأهل الأرض كلهم.
(و أنزلنا من المعصرات) أي السحابات التي حان لها أن تمطر.
(ماءً ثَجَّاجا) أي منصبّا متتابعا.
(لنخرج به حبًّا و نباتا) أي لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المُبارك " حبّا " من بُرٍّ و شعير , و ذرة و أرز , و غير ذلك , يدخر للأناسي و الأنعام , و " نباتا " يشمل سائر النبات.
(و جنّاتٍ ألفافا) أي حدائق ملتفة الشجر , مجتمعة الأغصان , فيها من جميع أصناف الفواكه اللذيذة.
فالذي أنعم عليكم بهذه النعم العظيمة , التي لا يقدر قدرها , و لا يحصى عدها , كيف تكفرون به و تكذبون ما أخبركم به من البعث و النشور؟! أم كيف تستعينون بنعمه على معاصيه و تجحدونها؟!!
(إن يوم الفصل كان ميقاتا) يخبر تعالى عن يوم الفصل , و هو يوم يفصل بين الناس و يفرق السعداء من الأشقياء , باعتبار تفاوت الأعمال , و هو يوم القيامة , و أنه مؤقت بأجل معدود , لا يزاد عليه و لا ينقص منه , و لا يعلم وقته على التعيين إلا الله عز و جل , كما قال " و ما نُؤَخرُه إلا لأجل معدود ".
(يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا) يوم ينفخ إسرافيل نفخة البعث فتأتون أيها الناس جماعات , جماعات , كل جماعة مع إمامهم , على حسب تباين عقائدهم و أعمالهم و توافقهم , قال تعالى " يوم ندعو كلّ أناس بإمامهم ".
(و فُتحت السماء فكانت أبوابا) و تشققت السماء حتى تكون طرقا و مسالك لنزول الملائكة منها.
(و سيرت الجبال فكانت سرابا) أي: رفعت من أماكنها في الهواء , و ذلك يكون بعد تفتيتها و جعلها أجزاء متصاعدة كالهباء , فترى كأنها جبال و ليست بجبال , بل غبار غليظ متراكم , يرى من بعيد كأنه جبل , ثم يذهب ذلك بالكلية , فلا عين و لا أثر كما قال تعالى " و يسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا , فيذرها قاعا صفصفا , لا ترى فيها عوجا و لا أمتا ".
(إن جنهم كانت مرصادا) أي موضع رصد , يرصد فيه خزنتها من كان يكذب بها و بالمعاد.
(للطّاغين مأبا) أي تكون للذين طغوا في الدنيا , فتجاوزوا حدود الله استكبارا على ربهم , منزلا و مرجعا يصيرون إليه.
(لابثين فيها أحقابا) أي ماكتين فيها دهورا متتابعة إلى غير نهاية , كقوله تعالى " خالدين فيها أبدا ".
(لا يذوقون فيها بردًا و لا شرابا) لا يجدون في جهنّم ما يبرد جلودهم , و لا ما يدفع ظمأهم.
(إلا حميما) أي ماء حارًّا إنتهى غليانه , يشوي وجوههم , و يقطع أمعاءهم.
(و غسّاقا) و هو صديد أهل النار , الذي هو في غاية النتن , و كراهة المذاق , يجمع في حياض , ثم يسقونه.
(جزاءًا وفاقا) أي: جوزوا بذلك جزاءً موافقا لما ارتكبوه من الأعمال , و قدموه من العقائد و الأخلاق.
(إنهم كانوا لا يرجون حسابا) أي: لم يكونوا يعتقدون أن ثَم دارًا يجازون فيها و يحاسبون , لذلك أهملوا العمل للآخرة.
(و كذبوا آياتنا كذابا) أي: و كانوا يكذبون بحجج الله و دلائله على خلقه التي أنزلها على رسله , فيقابلونها بالتكذيب و المعاندة.
(و كل شيء أحصيناه كتابا) أي: وقد عَلِمنا أعمال العباد كلهم , و كتبناها عليهم , و سنجزيهم على ذلك , إن خيرا فخير , و إن شرا فشر. قال تعالى: " ووضع الكتاب لا يغادر صغيرة و لا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا و لا يظلم ربك أحدًا ".
(فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا) يقال لأهل النار تقريعا و غضبا و تأنيبا لهم من تخفيف العذاب , ذوقوا ما أنتم فيه , فلن نزيدكم إلا عذابا من جنسه. قال عبد الله بن عمرو: لم ينزل على أهل النار آية أشد من هذه: " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ". قال: فهم في مزيد من العذاب أبدا.
(إن للمتقين مفازا) إن الذين اتقوا سخط ربهم , بالتمسك بطاعته , والإنكفاف عما يكرهه , لهم مفاز و منجى , و بُعد عن النار.
¥