ـ[عادل المرشدي]ــــــــ[28 - Jun-2007, مساء 05:25]ـ
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فقد ذكر الشاطبي في القسم الاول من كتابه الموافقات ثلاثة عشر مقدمة ممهدة لكتابه، وقد صدر بها كتابه الفريد وضمنها من مليح الطرف في العلم ماتقصد لأجله بالعناية، وهي بالنظر إلى موضوعها:
1 - أصول الفقه قطعية (وقد نازعه الشيخ عبالله دراز رحمه الله في هذا الاطلاق).
2 - المقدمات المستعملة في أصول الفقه قطعية.
3 - الأدلة السمعية لاتفيد القطع بآحادها بل باجتماعها (وقد أدى عدم الالتفات إلى هذا الأصل أن ذهب بعض الأصوليين إلى أن كون الاجماع حجة = ظني لاقطعي).
4 - كل مسألة في أصول الفقه لا ينبني عليها فروع فقهية فوضعها في الأصول عارية.
5 - الاشتغال بالمباحث النظرية التي ليس لها ثمرة عملية مذموم شرعا.
6 - التعمق في التعاريف والأدلة، والبعد بها عن مدارك الجمهور غير معتبر شرعا.
7 - كل علم شرعي فطلب الشارع له إنما هو من حيث كونه وسيلة للتعبد.
8 - العلم المعتبر شرعا هو المقيد لصاحبه بمقتضاه الحامل له على قوانينه طوعا أو كرها.
9 - العلم: صلُب وملُح وماليس بصلُب ولا ملُح.
10 - العقل تابع للنقل.
11 - العلم منحصر فيمادلت عليه الأدلة الشرعية.
12 - لابد في العلم من معلم.
13 - كل أصل لايستقيم مع الأصول الشرعية فلايعتمد عليه.
وقد وسع الكلام في كل مقدمة، ورد على مايورد مثله عليها، وفيها من الفوائد مايحتاج إلى التفهم والطلب، وقد رأيت جمع مايتعلق منها بحقيقة العلم ومناهج التعليم ليقف عليها المحبون للعلم والباذلون له فينتفعوا بشئ يسهل تناوله قبل أن تعلمهم مطارق التجارب مايؤثر في نفوسهم أو نفوس المتلقين عنهم مما هو راجع إلى حظوظ النفس أو الاعجاب بالرأي أو التأثر بالواقع أو التقليد للمعظم أو التحقير له، والله أسأل أن ينفعني بها وإخواني:
التعمق في التعاريف والأدلة، والبعد بها عن مدارك الجمهور غير معتبر شرعا:
وذلك أن مايتوقف عليه معرفة المطلوب قد يكون له طريق تقريبي يليق بالجمهور، وقد يكون له طريق لايليق بالجمهور وإن فرض تحقيقا _ أي وإن ظنه سالكه تحقيقا في العلم -.
فأما الأول:
فهو المطلوب المنبه عليه، كما إذا طلب معنى (الملَك) فقيل: إنه خلق من خلق الله يتصرف في أمره، أو معنى (الانسان) فقيل: إنه هذا الذي أنت من جنسه، أو معنى (الكوكب) فقيل: هذا الذي نشاهده بالليل، ونحو ذلك.
فيحصل فهم الخطاب مع هذا الفهم التقريبي حتى يمكن الامتثال.
وعلى هذا وقع البيان في الشريعة، كما قال عليه الصلاة والسلام " الكبر بطر الحق وغمط الناس " ففسره بلازمه الظاهر لكل أحد، وكما تفسر ألفاظ القرآن والحديث بمرادفاتها لغة من حيث كانت أظهر في الفهم منها، وقد بين عليه الصلاة والسلام الصلاة والحج بفعله وقوله على مايليق بالجمهور، وكذلك سائر الأمور، ولأن الأمة أمية فلايليق بها من البيان إلا الأمي، فالتصورات المستعملة في الشرع إنما هي تقريبات بالألفاظ المترادفة، وماقام مقامها من البيانات القريبة.
وأما الثاني:
وهو مالايليق بالجمهور فعدم مناسبته للجمهور أخرجه عن اعتبار الشرع له، لأن مسالكه صعبة المرام، كما إذا طلب معنى (الملَك) فأحيل به على معنى أغمض منه، وهو ماهية مجردة عن المادة أصلا، أو يقال: جوهر بسيط ذو نهاية ونطق عقلي، أو طلب معنى (الانسان) فقيل هو الحيوان الناطق المائت، أو يقال مالكوكب؟ فيجاب بأنه جسم بسيط مكانه الطبيعي نفس الفلك من شأنه أن ينير وهو متحرك على الوسط غير مشتمل عليه، أو سئل عن (المكان) فيقال: هو السطح الباطن من الجرم الحاوي المماس للسطح الظاهر من الجسم المحوي،وما أشبه ذلك من الأمور التي لاتعرفها العرب ولايوصل إليها إلا بعد قطع أزمنة في طلب تلك المعاني، ومعلوم أن الشرع لم يقصد إلى هذا ولاكلف به.
وأيضا: فإن هذا تسور على طلب معرفة ماهيات الأشياء، وقد اعترف أصحابه بصعوبته، بل نقل بعضهم أنه عندهم متعذر.
فظهر أن الحدود على ماشرطه أرباب الحدود يتعذر الاتيان بها، ومثل هذا لايجعل من العلوم الشرعية التي يستعان بها فيها.
¥