ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[11 - Jun-2007, مساء 07:20]ـ

بارك الله فيكم ونفع بكم

عنوان صحفي

وليتك جعلته: (باب في مدح المطوّلات) بدلاً من (ذم المختصرات)

عفوا ليس كذلك، ولا تعجل سيأتيك ذم صرف لها يوافق العنوان.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[12 - Jun-2007, صباحاً 08:40]ـ

قال العلامة ابن خلدون في المقدمة ص457:

ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطرق والأنحاء في العلوم، يولعون بها ويدونون منها برنامجا مختصرا في كل علم يشتمل على حصر مسائله وأدلتها، باختصار في الألفاظ وحشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلك الفن.

فصار ذلك مخلاً بالبلاغة وعسيراً على الفهم.

وربما عمدوا إلى الكتب الأمهات المطولة في الفنون للتفسير والبيان، فاختصروها تقريباً للحفظ، كما فعله ابن الحاجب في الفقه وأصول الفقه، وابن مالك في العربية، والخونجي في المنطق وأمثالهم.

وهو فساد في التعليم وفيه إخلال بالتحصيل، وذلك لأن فيه تخليطاً على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه، وهو لم يستعد لقبولها بعد، وهو من سوء التعليم كما سيأتي.

ثم فيه مع ذلك شغل كبير على المتعلم بتتبع ألفاظ الاختصار العويصة للفهم بتزاحم المعاني عليها وصعوبة استخراج المسائل من بينها.

لأن ألفاظ المختصرات نجدها لأجل ذلك صعبة عويصة، فينقطع في فهمها حظ صالح من الوقت.

ثم بعد ذلك كله فالملكة الحاصلة من التعليم في تلك المختصرات، إذا تم على سداده، ولم تعقبه آفة؛ فهي ملكة قاصرة عن الملكات التي تحصل من الموضوعات البسيطة المطولة لكثرة ما يقع في تلك من التكرار والإحالة المفيدين لحصول الملكة التامة.

وإذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته كشأن هذه الموضوعات المختصرة؛ فقصدوا إلى تسهيل الحفظ على المتعلمين، فأركبوهم صعباً يقطعهم عن تحصيل الملكات النافعة وتمكنها. «ومن يهدي الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له». والله سبحانه وتعالى أعلم.

= يتبع

ـ[حرملة]ــــــــ[12 - Jun-2007, مساء 09:35]ـ

هناك آخرون استفادوا من تلك المختصرات أيما فائدة

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[13 - Jun-2007, مساء 10:18]ـ

قال شهاب الدين أحمد الناصري في الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى 3/ 67 - 68:

ومن عجيب سيرته [السلطان محمد بن عبد الله]ـ رحمه الله ـ أنه كان يرى اشتغال طلبة العلم بقراءة المختصرات في فن الفقه وغيره، وإعراضهم عن الأمهات المبسوطة الواضحة = تضييع للأعمار في غير طائل، وكان ينهى عن ذلك غاية، ولا يترك من يقرأ "مختصر خليل" و"مختصر ابن عرفة" وأمثالهما، ويبالغ في التشنيع على من اشتغل بشيء من ذلك، حتى كاد الناس يتركون قراءة "مختصر خليل"، وإنما كان يحض على كتاب "الرسالة" و"التهذيب" وأمثالهما، حتى وضع في ذلك كتابا مبسوطا أعانه عليه أبو عبد الله الغربي وأبو عبد الله المير وغيرهما من أهل مجلسه.

ولما أفضى الأمر إلى السلطان العادل المولى سليمان ـ رحمه الله ـ صار يحض الناس على التمسك بالمختصر، ويبذل على حفظه وتعاطيه الأموال الطائلة، والكل مأجور على نيته وقصده غير أنّا نقول:

الرأي ما رأى السلطان سيدي محمد ـ رحمه الله ـ وقد نص جماعة من أكابر الأعلام النقاد مثل: الإمام الحافظ أبي بكر بن العربي،

والشيخ النظار أبي إسحاق الشاطبي،

والعلامة الواعية أبي زيد عبد الرحمن بن خلدون،

وغيرهم أن سبب نضوب ماء العلم في الإسلام، ونقصان ملكة أهله فيه = إكباب الناس على تعاطي المختصرات الصعبة الفهم، وإعراضهم عن كتب الأقدمين المبسوطة المعاني الواضحة الأدلة، التي تحصل لمطالعها الملكة في أقرب مدة، ولعمري لا يعلم هذا يقينا إلا من جَرّبه وذاقه، وقد تقدم لنا في صدر هذا الكتاب أن ملوك بني عبد المؤمن كانوا يحملون الناس على الرجوع في الأحكام إلى الكتاب والسنة كل ذلك اعتناء بالعلم القديم ومحافظة على أصوله، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[29 - Jun-2007, مساء 04:36]ـ

قال العلامة محمد بن الحسن الحجوي في الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي 2/ 146:

في القرن الرابع بدأت فكرة الاختصار والإكثار من جمع الفروع بدون أدلة وشرح تلك المختصرات، فبعدما كانوا في القرن الثالث مصنفين مبتكرين؛كأسد بن الفرات وسحنون، وابنه، والبويطي ومحمد بن الحسن وأمثالهم، صار الحال في القرن الرابع إلى الشرح ثم الاختصار والجمع، فانظر الفضل بن سلمة وابن أبي زمنين وابن أبي زيد والبراذعي اختصروا «المدونة» في عصر متقارب، وهكذا نظراؤهم في عصرهم من المذاهب الأخرى؛ كالمزني حيث اختصر مذهب الشافعي.

والاختصار لا يسلم صاحبه من آفة الإفساد والتحريف فقد اعترض عبد الحق الإشبيلي مواضع من مختصر ابن أبي زيد القيرواني والبراذعي أفسدها الاختصار، وهكذا المزني اعترض عليه ابن سريج كما سبق في ترجمته.

ولا يخفى أن الاشتغال بإصلاح ما فسد هو غير الاشتغال بالعلم نفسه؛ فالرزية كل الرزية ما حال بين المسلمين وبين نصوص نبيهم وكلام ربهم، والرزية كل الرزية في الاشتغال بالمختصرات، فالاختصار والتوسع في جمع الفروع من غير التفات للأدلة هو الذي أوجب الكهولة؛ بل القرب من الشيخوخة التي دخل فيها الفقه في القرون الآتية، فالفقه بقي مدة قرنين متماسكا كهلا قويا، ولله عاقبة الأمور.

= يتبع

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015