ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[10 - Jun-2007, مساء 10:45]ـ
الحمد لله وصلى الله على نبينا محمد أما بعد:
فلا يخفى عليكم ولع المتاخرين بالمختصرات في كل الفنوان وفي ذلك مصالح ومفاسد، وكنت من مدة أريد أن أكتب موضوعا عن المختصرات، لكني ما استطعت أن استجمع الفكر وأجد من الفراغ ما يكفي، وكان وقع تحت يدي نقولا في ذمها وبيان عيبها، فالظاهر أن غاية ما سيكون هو نقل بعض هذه النقول!
والغرض أن تخفف هذه العبارات من غلو بعضنا فيها، وتلفت انتباههم إلى كتب الأئمة المتوسطة والموسعة.
وسأبدأ بكلام لطيف طريف للشيخ علي الطنطاوي
قال ـ رحمه الله ـ في ذكرياته 2/ 43
في كلامه على (رسائل سيف الإسلام):
وأثرتُ بعض المشايخ لما نقدتُ طريقتهم في الدعوة إليه، وفي تلقين المتعلمين أحكام شريعته، وكانت (في الحق) أسوأ الطرق في التدريس في كتب ألفت على أسوأ الأساليب في التأليف: (متن) موجز إيجازًا مخلاً، كأن مؤلفه بخيل كُلِّف بأن يرسله في (برقية) إلى أوستراليا، يغرم أجرتها من ماله، فهو يقتصد في الكلمات لتقل عليه النفقات، وانظروا (جمع الجوامع) و (التحرر) في الأصول مثالا على هذه المتون، وقابلوا أسلوبه بأسلوب الغزالي في (المستصفى).
كانت أكثر الكتب التي يعكفون عليها بعيدة عن البيان بعد الأرض عن السماء، معقدة العبارة أعجمية السبك، وإن كانت عربية الكلمات، فيأتي من يوضح غامض المتن فيدخل جملة من عنده بين كل جملتين منه كما يرقعون اليوم الجلد المحروق من الإنسان بقطعة من جلده السليم فينجح الرتق أو يظهر الفتق وهذا هو (الشرح).
ويأتي من يضع لهذا الشرح حواشي وذيولا يطوله فيها فيجمله أو يقبحه ويعطله وهذه هي (الحاشية)، ويبدو ضعف الإنشاء في القرون المتأخرة حتى في مثل حاشية ابن عابدين التي هي اليوم عمدة المفتين على المذهب الحنفي ثم يجيء من يعلق على هذه الحاشية تعليقات وتسمى (التقريرات) فلا الأسلوب عربي فصيح ولا المنهج قويم صحيح.
وانظروا (المبسوط) مثلا للسرخسي أو (البدائع) للكاساني ثم انظروا الحاشية أو انظروا في مذهب الشافعية (الأم) ثم (مغني المحتاج) إن ما بينهما كالذي بين (أسرار البلاغة) و (شروح التلخيص) في كتب الأولين، البلاغة والبيان والأسلوب العربي النير، وفي حواشي الآخرين .. فيها ما تعرفون!
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[10 - Jun-2007, مساء 10:47]ـ
وقال في ذكرياته ـ رحمه الله ـ 4/ 279:
كنت قبل أن ألي القضاء، وبعد أن أنهيت عهد الطلب وأيام الدراسة، كنت عاكفا على كتب الأدب والتاريخ , قلما أنظر في كتاب فقه أو أصول إلا إن احتجت إلى مراجعة مسألة أو تحقيقها.
ولكني كنت على ذلك أقرأ في اليوم عشرين أو ثلاثين صفحة من مثل كتاب "الخراج" لأبي يوسف، أو كتاب "الأم" للشافعي، أو "المبسوط" للسرخسي، لا لاستيعاب ما فيه، ولكن إعجابًا بأسلوبه واستئناسا ببلاغة عبارته، وسلامة لغته، كذلك كانت كتبنا الأولى، ثم فسد الأسلوب وغلبت عليه العجمة، وبعد عن السليقة العربية ...
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[10 - Jun-2007, مساء 10:47]ـ
وقال في ذكرياته ـ رحمه الله ـ 7/ 66: ... ولقد ظهر في هذه القرون الثلاثة علماء لا يحصيهم العد، ألفوا مؤلفات لا يحيط بها الحصر، ولم يكن في هؤلاء جميعا ـ على أغلب الظن ـ من هو أوثق في الفقه، وأنفذ فيه فكرا، من ابن عابدين، الذي كتب الله لمؤلفاته أن تكون أكثر الكتب ذيوعا، وأعمها نفعا، وأن تكون حاشيته المشهورة عمدة المفتين في المذهب الحنفي من أكثر من مئة سنة، لا يضارعها في تحقيق مسائلها، وفي إقبال الناس عليها، كتاب من كتب الفقهاء المتأخرين في المذهب الحنفي، على بعض العجمة في أسلوبها، وبعده عن الأسلوب العربي النيَّر الذي تجدون مثاله في كتاب " المبسوط" للسرخسي الحنفي، أو في كتاب "الأم" للإمام الشافعي.
ـ[أمجد الفلسطيني]ــــــــ[10 - Jun-2007, مساء 11:39]ـ
وفي ذلك مصالح ومفاسد
بارك الله فيكم
لا يخفى عليكم أن من وضع هذه المختصرات إنما وضعها للحفظ لمبتدئي الطلبة وهذه مصلحة ليست بالقليلة في بابها لأن المتفقه لا بد له من أن يحفظ متنا فقهيا في بداية طلبه يجمع له الفروع حتى يبني عليه ما بعده من المسائل والخلاف والأدلة في هذا الفن
وقد سمعت عن بعض المشايخ أظنه الشيخ العثيمين يقول أغلب ما قرأناه نسيناه ولم يبق معنا إلا المختصرات التي حفظناها في الصغر الزاد والبلوغ أو نحو هذا
ولا يقال للمبتدأ في التفقه عليك النظر أو حفظ الأم والمبسوط ونحوها من المطولات لأن هذا يشتته ويفرق عليه المسائل ولا يجمع
وهذه المصلحة لا تنكر
إذا علم ذلك بقي أن ننظر في المفسدة التي ذُكر أنها تترتب على الاختصار وهي التعقيد والعجمة مما أدى إلى كثرة خلاف الشراح في فهم العبارة وتفكيكها ومعرفة مقصود الماتن
ولا شك أن هذه مفسدة في بابها لأن فيها تضييع للوقت في غير الأهم لكن هذه المفسدة ليست محضة بل يشوبها نوع مصلحة ومخارج تخفف منها وهي:
_ تثبيت المعلومة في ذهن الطالب لأن كثرة النظر والتفكير في كلام الشراح والمحشين على السطر الواحد من المتن أو المسألة الواحدة وحل المشكل ودفع الاعتراض يورث ذلك
_ أن كثيرا من مسائل المتون ليست معقدة ويتفق الشراح على تفسيرها
_ أن الطالب ليس ملزما بقراءة أغلب الشروح والحواشي بل يكفيه أن يقرأ أفضل شرحين وأفضل حاشية وغالبا ما يكون فيها التفسير الراجح لكلمات المتن وهذا يخفف من مفسدة دخوله في اختلاف الشراح والمحشين
_ أما بالنسبة للأسلوب فلا شك أن الأفضل أن يكون بأسلوب عربي فصيح لكن هذا من باب الكماليات
إذا علم ذلك بقي النظر في تلك المصلحة وهذه المفسدة والترجيح بينهما ولا شك بتقديم المصلحة المحضة على المفسدة غير المحضة المشوبة بمصالح والله أعلم
فإذا كان الأمر كذلك لم يصح ذم هذه المختصرات وإنما يحذر الطالب _بعد حثه على حفظها_ من الإغراق في تتبع كلام الشراح في فك عبارة المتن فقط
تنبيه: هناك بعض المتون لا ينطبق عليها ما ذكر مثل متن أبي شجاع والرسالة للقيرواني وغيرها فهي سلسة عذبة لا فيها تعقيد ولا عجمة والمنهاج للنووي قريب منها والله أعلم
بارك الله فيكم
¥