(و بُرِّزت الجحيم لمن يرى) أظهرت للناظرين فرآها الناس عيانا.

(فأمّا من طغى) أي أفرط في تعديه و مجاوزته حد الشريعة و الحق , إلى ارتكاب العصيان و الفساد و الضلال.

(و آثر الحياة الدنيا) أي قدمها على أمر دينه و أخراه.

(فإن الجحيم هي المأوى) فإن مصيره إلى الجحيم , و إن مطعمه من الزقوم , و مشربه من الحميم.

(و أمّا من خاف مقام ربّه) أي: خاف القيام بين يدي الله عز و جل , و خاف حُكمَ الله فيه ,فأدى الفرائض و اجتنب النواهي.

(و نهى النفس عن الهوى) أي: نهى نفسه عن هواها , فلم يجيبها في هوى يبغضه الله و لم يطعها في شيء حرمه الله , بل صار هواه تبعًا لما جاء به الرسول صلى الله عليه و سلم.

(فإنّ الجنّة هي المأوى) أي: منقلبه و مصيره و مرجعه إلى الجنة الفيحاء.

(يسألونك عن السّاعة أيّان مرساها) أي يسألك يا رسولنا المتعنتون المكذبون المنكرون للبعث عن الساعة متى وقوعها و قيامها.

(فيم أنت من ذكراها إلى ربك منتهاها) ليس علمها إليك و لا إلى أحد من الخلق , بل مَردها و مرجعها إلى الله عز و جل , فهو الذي يعلم وقتها على التعيين , كما قال تعالى في آية أخرى " يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات و الأرض لا تأتيكم إلا بغته يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله و لكن أكثر الناس لا يعلمون ".

(إنما أنت منذر من يخشاها) إنما بعثتك لتنذر الناس و تحذرهم من بأس الله و عذابه , فمن خشي الله و خاف مقامه ووعيده , اتبعك فأفلح و أنجح , و الخيبة و الخسار على من كذبك و خالفك.

(كأنّهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها) كأن هؤلاء المكذبين بها , و بما فيها من الجزاء و الحساب , يوم يشاهدون وقوعها , من عظيم هولها , لم يلبثوا في الدنيا أو في القبور إلا ساعة من نهار , بمقدار عشية – و هي ما بين الظهر إلى غروب الشمس - , أو ضحاها – و هي ما بين طلوع الشمس إلى نصف النهار -.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[16 - Jun-2008, صباحاً 02:57]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة النبأ

و تسمى سورة عمّ يتساءلون , و هي مكية و آيها أربعون.

(عمّ يتساءلون) عن أي شيء يتساءل المكذبون بآيات الله؟ قال ابن جرير: و ذلك أن قريشا جعلت , فيما ذكرعنها , تختصم و تتجادل في الذي دعاهم إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم , من الإقرار بنبوته , و التصديق بما جاء به من عند الله تعالى , و الإيمان بالبعث. فقال الله تعالى لنبيه: فيما يتساءل هؤلاء القوم و يختصمون؟

ثم بيّن ما يتساءلون عنه فقال: " عن النبأ العظيم , الذي هم فيه مختلفون ".

(عن النبأ العظيم) أي: الخبر الهائل المفظع الباهر , و هو أمر القيامة و البعث بعد الموت.

(الذي هم فيه مختلفون) يعني: الناس فيه على قولين: مؤمن به و كافر.

(كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون) أي: سيعلمون إذا نزل بهم العذاب ما كانوا به يكذبون , حيث يُدَعُّون إلى نار جهنم دَعَّا , و يقال لهم " هذه النار التي كنتم بها تكذبون ".

ثم شرع الله تعالى يُبَيِّن قدرته العظيمة على خلق الأشياء الغريبة و الأمور العجيبة , الدالة على قدرته على ما يشاء من أمر المعاد و غيره , فقال:

(ألم نجعل الأرض مِهَادَا) أي: ممهدة مهيأة لكم و لمصالحكم , من الحروث و المساكن و السبل.

(و الجبال أوتادا) أي: جعلها للأرض أوتادًا , أرساها بها و ثبتها و قرّرها حتى سكنت و لم تضطرب بمن عليها.

(و خلقناكم أزواجا) أي ذكورا و إناثا. قال الإمام: ليتم الإئتناس و التعاون على سعادة المعيشة و حفظ النسل و تكميله بالتربية.

(و جلعنا نومكم سباتا) أي: قَطْعًا للحركة لتحصل الراحة من كثرة الترداد و السعي في المعايش في عرض النهار.

(و جلعنا الليل لباسا) أي كاللباس بإحاطة ظلمته بكل أحد , و ستره لهم.

(و جلعنا النهار معاشا) أي: جعلناه مشرقا منيرا مضيئا ليتمكن الناس من التصرف فيه و الذهاب و المجيء للمعاش و التكسب و التجارات , و غير ذلك.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015