2 - الناس: فالتربية للجميع لا تقتصر على المستفتين أو طلبة العلم أو المقربين من العالم بل يحرص العالم الرباني على أن يصل أثر تربيته إلى "الناس"، ولا يأتي هذا بالانهماك في الطلب على حساب معالجة شؤون الناس ومتابعة واقعهم والمساهمة الفاعلة في حل قضاياهم الحادثة، أعيد: ليس حديثي عن الفتوى وحسن تصوير المسألة من عدمها ومن يتحمل تبعة ذلك ... ليس هذا محور حديثي من أصله وإنما هو عن هذه المعايشة التي بواسطتها يقترب العالم من حياة الناس و منه يأخذون وعلى يديه يتربون والوسائل لفعل ذلك متعددة ومتنوعة ومتاحة ومتيسرة اليوم.
والخلاصة أن أثره يجب ان يكون أكبر و أوسع ليستحق أكبر نصيب من وصف الربانية، قال الطبري: والرباني: الجامع إلى العلم والفقه , البصر بالسياسة والتدبير , والقيام بأمور الرعية , وما يصلحهم في دنياهم ودينهم.أ. هـ.
فعمله الأسمى هو إيصال الحق الذي استفاده من العلماء الكبار لكنه لا يمكن أن يقوم بدور العالم الرباني
لماذ "لا يمكن"؟ لماذا هذا الجزم والإطلاق في النفي؟ بل هو بقيامه بما ذكرت يقوم بعمل عظيم يستحق من أجله ولو "بعضاً" من وصف الربانية بحسب قيامه بهذا الأمر، فهو - بعون الله - مؤثر حقيقي و مباشر في تغيير حياة الناس. ووصف الربانية ليس "إما أن تكون وإلا فلا"، بل هو وصف يكون في العالم بحسب مقدار النفع و الأثر التربوي الذي يحدثه في واقع الناس، قال الطبري رحمه الله: ((والرباني: هو المنسوب إلى من كان بالصفة التي وصفت , وكان العالم بالفقه والحكمة من المصلحين , يرب أمور الناس بتعليمه إياهم الخير , ودعائهم إلى ما فيه مصلحتهم , وكان كذلك الحكيم التقي لله , والولي الذي يلي أمور الناس على المنهاج الذي وليه المقسطون من المصلحين أمور الخلق بالقيام فيهم , بما فيه صلاح عاجلهم وآجلهم , وعائدة النفع عليهم في دينهم ودنياهم ; كانوا جميعا مستحقين أنهم ممن دخل في قوله عز وجل {ولكن كونوا ربانيين})).أ. هـ.
فالعالم في زمننا هذا لم يفرط = بل بحث واجتهد ورجح وبقي على غيره ألا يزاحم وأن يقوم بدوره وواجبه في الدعوة والتبليغ على ما ظهر للراسخين في لعلم الذين أمرنا بالرجوع إليهم في قوله تعالى " وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم "
كلام جميل بل وصحيح، لكن هذا حديث عن أدوات "الفتوى": يتصور يجتهد يفتي ...
مثال آخر للتوضيح فقط: لقد كان للشيخ سفر الحوالي أثر كبير في صناعة وعي جديد عند الناس حول العوامل الاجتماعية و السياسية الحرجة في وقته كما أنه لا ينكر فضله في علم العقيدة و دوره المؤثر في تفنيد المباديء و النظم والشعارات التي انخدع بها كثير من الناس في تلك الحقبة والأمثلة كثيرة ومتنوعة. لا أقصد أبداً أبداً تنقص الآخرين من أهل الفضل والعلم ولكن ما العيب إذا قلنا: يمكن لعلماءنا أن يكونوا أكثر حكمة وأكثر دراية وأكثر "ربانية" ما دام أن الأمر ممكن. ولا يقال هنا هذه مسؤولية الناس أما العالم فهو مبرأ من التقصير ولا لوم عليه، مع أنه هنا تبرز الحاجة إلى "مبادرة" العالم ... هنا عليه أن ينبري ويتصدى وتظهر شخصيته ويكون له حضور مؤثر.
هذا بعض ما أعنيه من المبالغة في التصوير
الأمر واحد نوعا ما = والاستفصال حاصل في كل عصر ومصر ولكن أن تحول مهمة الفتوى مثلا إلى المتخصص بحجة تخصصه فهذا هو الهلاك المتخصص يقف عند حد شرح الحادثة أما توصيفها والحكم عليها فلا مشاركة له فيها
نعم شيخنا الفاضل، هل تذكر عندما قلت بضرورة استشارة العالم اليوم لأهل التخصص لكي يكون تصوره صحيحاً؟ لا يعتمد العالم على تصوير العوام في القضايا الكبيرة [1] بل يلزمه الوقوف على حقيقة الأمر إما بالإطلاع الكافي أو مراجعة أهل الفن، ثم يفتي بعد ذلك بما شاء. قال القرافي رحمه الله ((وكم يخفى على الفقهاء والحكام الحق في كثير من المسائل بسبب الجهل بالحساب والطب والهندسة، فينبغي لذوي الهمم العلية أن لا يتركوا الإطلاع على العلوم ما أمكنهم ذلك. فلم أر في عيوب الناس عيبا كنقص القادرين على التمام)).
... وللحديث بقية أبقاكم الله على الطاعة.
=======================
[1] هناك عالمان الأول يعتمد تصوره على كلام الناس عن البرمجة العصبية والآخر يبحث عن حقيقة البرمجة العصبية، الأول يعطي جواباً قصيرا جاهزاً ولا لوم عليه ولكن الثاني أفضل لأنه بذل وسعاً أكبر و استوعب القضية أكثر فكان جوابه مختلفاً، وخير من سلك هذا المسلك من الأوائل شيخ الاسلام وتلميذه ابن القيم رحمهما الله.
ـ[ابن عقيل]ــــــــ[01 - May-2007, صباحاً 11:35]ـ
الأخ عبد الله الشهري وفقه الله
قلت وفي قولك نظر:
وأما قولك عفا الله عنك:
ولكن ما العيب إذا قلنا: يمكن لعلماءنا أن يكونوا أكثر حكمة وأكثر دراية وأكثر "ربانية" ما دام أن الأمر ممكن.
المشكلة في معنى الحكمة التي تعتقدها يا عبد الله , فإن كنت تعتقد أن الحكمة والدراية والربانية تكون في الخطب الرنانة والإهتمام بأفعال الغرب وإعلامهم وتزهيد الناس في السنن بتسميتها (جزئيات) وما أسميته وعي جديد فهذا فهم خاطئ وفقك الله لمرضاته.
فعلماءنا أعلم من غيرهم بالواقع وهم مسددون بالحكمة النبوية وهي السنة المطهرة ولا يتجاوزنها , لذلك حمى الله هذه البلاد بفتاويهم النيرة عام ال90 الميلادي وما بعده
وخابت تكهنات المتكهنين الذين زهدوا الناس في علماءهم , وقالوا فيهم أن علماءنا قد كبروا وشاخوا فلا نحملهم فوق ما يطيقون وأن مناصبهم تفرض عليهم المجاملة وغير هذا من البهتان العظيم.
غفر الله لمن قال هذا الكلام أو أعتقده , وأساله سبحانه أن يرد إلينا وحدتنا وجماعتنا على المنهج السلفي الصافي والله وكيل بذلك وهو القادر عليه سبحانه.
¥