لا شك في وجود عدو لنا وعدو لديننا وهذا أمر لا أحد ينازع فيه، ولكن الأمة مطالبة قبل كل شيء بإصلاح نفسها، بإصلاح وضعها، أن نصلح أخطاء أنفسنا، وكل منا خطاء وكل منا واقع في خطأ، فنسأل الله أن يوفقنا لإصلاح أنفسنا قبل كل شيء، الله تعالى قال لنبيه وأصحابه: ? أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ? [سورة آل عمران الآية 165] فبين تعالى أن مصابهم كان من تلقاء أنفسهم لما خالفوا أمر النبي صلى الله عليه وسلم، قد فروا عن الثغر الذي ألزمهم النبي صلى الله عليه وسلم البقاء فيه، فبين الله لهم أن هذا من أنفسهم، قال بعض الصحابة ما كنا نظن ذلك حتى سمعنا هذه الآية فتبصرنا في أنفسنا فعلمنا من أين أتينا.
إن المملكة العربية السعودية بلد التوحيد والإسلام، بلد وفقه الله للخير وأنعم الله عليه نعمة الإسلام، بأن حكم شريعة الله ومحاكمه تحكم بشرع الله وتقيم حدود الله، وبلد حوى الحرمين الشريفين، وبلد يمثل قبلة المسلمين ومهوى أفئدتهم، وبلد من الله عليه بالأمن والاستقرار والهدوء والانضواء تحت قيادة نسأل الله لها التوفيق والعون والرشاد.
نحن لا نؤيد الأخطاء، لكن لسنا نجزم بأن هناك عدوا في داخلنا، نحن أمة واحدة، وجماعة واحدة، وأن وجد أخطاء عند
بعضنا فعياذا بالله أن نقول هؤلاء أعداء، لا شك أن الأخطاء لا يقرها أحد ولكن هل نقول عند كل خطأ بتقسيم أنفسنا إلى صراع بيننا، لا يا إخوة، نحن أمة واحدة، ونحن ولله الحمد في هذا البلد المبارك أمة واحدة، لكن كون أحد منا يخطئ، الخطأ واقع من الناس ولا بد، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كلكم خطاءون وخير الخطائين التوابون)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولأتى بقوم يذنبون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم)) [صحيح مسلم التوبة (2749)].
فالله تعالى بين لنا أنه خلق أبانا آدم بيده وأسجد له ملائكته ونفخ فيه من روحه وأسكنه جنته، وقال: كل الجنة لك سوى هذه الشجرة، فآدم علم ولكن طبيعة ابن آدم الخطأ والنسيان ? فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا ? [سورة البقرة الآية 36] ? وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى * ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ? [سورة طه الآية 121 - 122].
فانظر إلى أبينا آدم أبي البشر من له تلك المميزات ومع هذا وقع في الخطأ، فوقوع الأخطاء في أي زمان وفي أي مجتمع ليس أمرا غريبا، إنما الغريب أن يستمر الناس على الخطأ، والغريب أن لا يعالج الخطأ، ولكن كيف يعالج الخطأ؟
إنه لا يعالج إلا بالأسلوب الحكيم والبصيرة في الأمور كلها.
والمنتسبون إلي العلم يعالجون كل قضية بحكمة وبصيرة وروية، يدرسونها، وينظرونها من كل الجوانب فإذا تصوروا الأمر التصور الصحيح ووضح عندهم وضوحا بينا وأدركوا القضية، وما يترتب عليها في الحاضر وما عسى أن سيكون- لأن علم الغيب عند الله- ودرسوها دراسة جيدة وتوصلوا إلى حلول مناسبة تعالج أي قضية، تقدموا إلى المسئولين بطريقة حكيمة، والمسئولون ولله الحمد لم يغلقوا أبوابهم أمامنا، ولم يوصدوها أمامنا بل هم يقبلون النصيحة، لكن الأمور تحتاج منا إلى حكمة، وتحتاج منا إلى روية، ويحتاج طالب العلم أن ينطلق من تصوره المنطلق الصحيح، لا شك أن هناك غيورين ومتحمسين يحملهم دين وتقى لا شك، لكن قد يفقدون الحكمة أحيانا، وقد يوسعون الهوة أحيانا، وقد يتسببون في حدوث تصادم أحيانا، وهذا أمر لا يليق، إنما طلاب العلم يتميزون برويتهم في الأمور وتبصرهم في المواقف وعلاجهم للقضايا على مستوى من العقل والعلم والإدراك، وأما أن نشيع أن هناك عدوا داخليا، وأن هناك وأن هناك حتى لو قدر أني أعلم شيئا من هذا فليست مهمتي أن أضخم هذه الأمور وأن أخيف الناس بكذا، لأني لا أريد أن أشيع الفاحشة بين المؤمنين، ولا أريد أن أفتح هوة، أقول إن مجتمعنا منفصل، لا، مجتمعنا مجتمع إسلامي إن شاء الله، ومجتمعنا مجتمع متوحد إن شاء الله، والزلات والهفوات هذه أمور لا يمكن أن يخلو أي زمن منها.
¥