(فقل له هل لّك إلى أن تزكّى) أي: هل لك في خصلة حميدة , و محمدة جميلة , يتنافس فيها أولوا الألباب , و هي أن تُزكّي نفسك و تطهرها من دنس الكفر و الطغيان , إلى الإيمان و العمل الصالح؟

(و أهديك إلى ربك) أي: أدلك إلى عبادة ربك , و أُبَيّن لك مواقع رضاه , من مواقع سخطه.

(فتخشى) فيصير قلبك خاضعا له مطيعا خاشيا بعد ما كان قاسيا خبيثا بعيدا من الخير. قال الزمخشري: ذكر الخشية لأنها ملاك الأمر , من خشى الله أتى منه كل خير , و من أَمِن اجترأ على كل شر.

(فأراه الآية الكبرى) فأظهر له موسى مع هذه الدعوة الحق حجة قوية , و دليلا واضحا على صدق ما جاء به من عند الله , و هي على ما قاله مجاهد , عصاه و يده. أي عصاه إذ تحولت ثعبانا مبينا , و يده إذ أخرجها بيضاء للناظرين. و إفرادهما لأنهما كالآية الواحدة في الدلالة , أو هي العصا لأنها كانت المقدمة و الأصل , و البقية كالتبع.

(فكذّب و عصى) فكذب فرعون موسى فيما أتاه من الآيات المعجزة , و دعاها سحرا , و عصاه فيما أمره به من طاعة ربه و خشيته إياه.

(ثم أدبر يسعى) أي يجتهد في مبارزة الحق و محاربته. و هو جمعُهُ السحرة ليقابلوا ما جاء به موسى , عليه السلام , من المعجزة الباهرة.

(فحشر) جمع رجاله و جنده.

(فنادى) أي ناداه ليعدهم إلى حرب موسى.

(فقال أنا ربكم الأعلى) يعني أنه لا ربّ فوقه , و بالتالي لا طاعة إلاّ له.

(فأخذه الله نكال الآخرة و الأولى) أي: انتقم الله منه انتقاما جعله به عبرة و نكالا لأمثاله من المشركين في الدنيا.

(إنّ في ذلك لعبرة لمن يخشى) أي في أخذه لفرعون و ما أحل به من العذاب و الخزي , عظة و معتبرا لمن يخاف الله و يخشى عقابه , و يعلم أن هذه سنته في كل من يقاوم الحق و يحاربه , فإن نبأ الأولين عبرة للآخرين.

يقول الله تعالى محتجا على منكري البعث في إعادة الخلق بعد بدئه:

(أأنتم) أيها الناس (أشدُّ خلقا أم السماء)؟ يعني: بل السماء أشدّ خلقا منكم , فإن من رفع السماء على عظمها , هيّن عليه خلقهم و خلق أمثالهم , و إحياؤهم بعد مماتهم , كما قال سبحانه " لَخلق السماوات و الأرض أكبر من خلق الناس " و قوله تعالى " أوليس الذي خلق السماوات و الأرض بقادر على أن يخلق مثلهم ".

و الإستفهام هنا استفهام تقريري و هو إلجاؤهم إلى الإقرار و الإعتراف بأن خلق السماء أعظم من خلقهم إذًا كيف ينكرون البعث و الحياة الثانية.

(بناها) قال ابن جرير: أي رفعها فجعلها للأرض سقفا.

(رفع سمكها فسوّاها) أي: جعلها عالية البناء , بعيدة الفناء , مستوية الأرجاء , مكللة بالكواكب في الليلة الظلماء.

(و أغطش ليلها) أي: جعل ليلها مظلما أسود حالكا , قال ابن جرير: أضاف الليل إلى السماء , لأن الليل غروب الشمس , و غروبها و طلوعها فيها , فأضيف إليها لما كان فيها.

(و أخرج ضُحاها) أي: جعل نهارها مضيئا مشرقا نيرا واضحا , و الضحى انبساط الشمس و امتداد النهار. و إيثار الضحى لأنه وقت قيام سلطان الشمس و كمال إشراقها.

(و الأرض بعد ذلك دحاها) أي بعد تسوية السماء على الوجه السابق , و إبراز الأضواء , بسط الله تعالى الأرض و مهدها لسكنى أهلها , و تقلبهم في أقطارها. أما خلق نفس الأرض ,فمتقدم على خلق السماء كما قال تعالى " قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين " إلى أن قال " ثم استوى إلى السماء و هي دخان فقال لها و للأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين ".

(أخرج منها ماءها) بأن فجر منها عيونا و أجرى أنهارا.

(و مرعاها) و هو ما يرعى من سائر الحبوب و الثمار و النبات و الأشجار.

(و الجبال أرساها) أي قررها و أثبتها و أكّدها في أماكنها , لتستقر الأرض بأهلها.

(متاعا لكم و لأنعامكم) أي انتفاعا لكم و لأنعامكم في هذه الدار إلى أن ينتهي الأمد , و ينقضي الأجل.

(فإذا جاءت الطامة الكبرى) أي الداهية العظمى التي تطمّ – أي تلو و تغلب أمثالها من الأحداث الجسام – على كل هائلة من الأمور , فتغمر ما سواها بعظيم هولها كما قال تعالى " و الساعة أدهى و أمرّ " , و هي القيامة للحساب و الجزاء.

(يوم يتذكّر الإنسان ما سعى) حينئذ يتذكر ابن آدم جميع عمله خيره و شره , و ذلك بعرضه عليه.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015