حياته العلمية في المدينة النبوية:

كانت المدينة النبوية تزخر بجملة كبيرة من العلماء في الفترة التي حل بها الشيخ حميدة رحمه الله، ولهم حلق علمية ودروس بالمسجد النبوي، يهبون علمهم ووقتهم للراغبين من طلبة العلم، وكان من أبرزهم: الشيخ حسين أحمد المدني والشيخ محمد العمري الواسطي والشيخ محمد إسحاق والشيخ أحمد البرزنجي والشيخ عبد الباقي اللكنوي والشيخ عمر حمدان المحرسي التونسي والشيخ عمر بري والشيخ ياسين أحمد الخياري والشيخ الخضر الشيخ أحمد الفيض أبادي والشيخ حمزة بساطي (21)

وشارك الشيخ حميدة هؤلاء الأعلام مشاركة قوية إذ أصبح من المشايخ المبرزين صاحب حلقات ودروس المسجد النبوي ثلاثة دروس في كل يوم الدرس الأول بعد صلاة الفجر وكان يدرس فيه الفقه فإذا انتهى منه انتقل الى النحو فيدرس الطلاب متن الآجرومية مرة والألفية لابن مالك مرة أخرى، والدرس الثاني بعد صلاة العصر وكان يدرس القواعد أما الدرس الثالث فبعد صلاة المغرب ويعد هذا الدرس أكبر حلقات الشيخ يحضرها طلبة العلم من مختلف البلدان والأقطار الاسلامية.

والشيخ رحمه الله لم ينقطع عن إفادة الغير من طلبة العلم وأهله حيث كان الطلاب يفدون على بيته ويسألونه في مسائل شتى فيجيبهم الشيخ بما يفتح الله عليهم ويستقبلهم بصدر رحب ويحنو عليهم حنو الأب على أبناءه شأنه في ذلك شأن الصالحين من هذه الأمة قضى أكثر من أربعين سنة يدرس ويفيد ويرشد ويعظ وينشر العلوم الشرعية.

وعند قيام الحرب العالمية الأولى والحرب العثمانية اضطر أكثر أهل المدينة الى ترك المدينة والسفر الى البلاد المجاورة (22) فكان الشيخ رحمه الله أحد الذين صوبوا وجهتهم تجاه الشام، وهناك التقى بعدد من العلماء وطلبة العلم، وكانت له عندهم مكانة خاصة، وبعد استقرار الأوضاع رجع الشيخ الى المدينة وباشر دروسه كالعادة.

مكتبة الشيخ رحمه الله:

عرف الشيخ رحمه الله بشدة حبه للقراءة والمطالعة فدعاه ذلك الى تكوين مكتبة علمية قيمة، زاد عدد كتبها عن الألف مجلد، جمعت أشتات العلوم، وكانت تعد من أكبر المكتبات في المدينة، يقصدها طلبة العلم للاستفادة منها، قال الاستاذ ياسين أحمد الخياري وهو يتحدث عن المكتبات العامة والخاصة بالمدينة المنورة: ((مكتبة الشيخ حميدة بن الطيب في منزله بسقيفة الرصاص)) (23)

وبعد وفاة الشيخ حميدة رحمه الله تولى ابنه الوحيد محمد حميدة (24) أمر المكتبة فقام بالمهام أحسن قيام.

الشيخ حميدة والشعر:

يعد الشيخ حميدة من رواد الأدب العربي، إذ كان يحفظ كثيرا من الشعر في مختلف العصور، وكان صاحب ملكة في هذا الفن لا يجارى، يقول الشعر ويرتجله ارتجالا، دارت بينه وبين الاديب العلامة محمد أحمد العمري (25) مساجلات أدبية يشهد فضلاء المدينة بعظمها وقوة مستواها

ومن شعر الشيخ رحمه الله قوله:

الله أكبر إن الدين منتصر ..... بالله ثم بجند الله والعمل

إن اليهود على ما جمعوه لنا .... باءت سياستهم بالعار والفشل

كونوا يدا في سبيل الله عاملة .... على جلائهم في السهل والجبل

أقول هذا وقد قال العليم لنا .... إن تنصروا الله ينصركم على عجل

الشيخ حميدة بين القضاء والفتوى:

تولى الشيخ حميدة القضاء بالمدينة النبوية في بداية العهد السعودي، في عصر الملك عبد العزيز آل سعود رحمه الله حيث عين الشيخ قاضيا في المحكمة الشرعية بالمدينة مع الشيخ ابراهيم بري، إلا أن الشيخ حميدة لم يستمر في منصبه وطلب الاقالة بغرض التفرغ للتدريس ونشر العلم فقبل منه ذلك.

وأما الفتوى فكان الشيخ عمدة الفتوى عند أهل المدينة، ولعل من أبرز القضايا والأحداث التي تبين مكانة الشيخ العلمية، وكونه ممن يعتمد عليه في الفتوى، حين زار الملك عبد العزيز رحمه الله المدينة النبوية عام 1345هـ وصدرت فتوى من أئمة المذاهب الأربعة بوجوب هدم القباب المقامة على الأضرحة وهدم القبور العالية وأصدروا فتوى تبين آداب زيارة المسجد النبوي وقبر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتقرر هذه الآداب وفق منهج السنة النبوية، وكان من الموقعين على الفتوى الشيخ إبراهيم بري عن الحنفية والشيخ زكي برزنجي عن الشافعية والشيخ محمد صادق العقبي عن المالكية (26) والشيخ حميدة ابن الطيب عن الحنابلة (27) وليس غريبا أن يوقع الشيخ عن الحنابلة فإنه كان رحمه الله مطلعا على المذاهب الأربعة اطلاعا واسعا،

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015