وإنَّ أعجب ما في خرائط محيي الدين الريس أنها عَادَتْ لِتَشغل العلماء بعد عصر رحلات الفضاء وتصوير الأرض من الأقمار الصناعيَّة؛ فقد كان الاعتقاد الأوَّل لدى علماء الخرائط في أمريكا وأوربا في القرن العشرين أن الخرائط غير دقيقة، وأن بها أخطاءً في الرسم حسب أحدث معلوماتهم عن الشاطئ الأمريكي، ولكنهم فُوجِئوا بعد ظهور أول صورة مأخوذة من القمر الصناعي لهذه المناطق أن خرائط محيي الدين الريس أدقُّ من كل ما عرفوه وتصوَّروه! وأنها تطابق تمامًا صور القمر الصناعي، وأن معلوماتهم هي التي كانت خاطئة، وعلى أثر ذلك عكف فريق من العلماء في وكالة الفضاء الأمريكيَّة على إعادة دراسة الخرائط مقطعيًّا بعد تكبيرها عدَّة مرات، فكانت المفاجأة الثانية، وهي أن محيي الدين الريس قد وضع في خرائطه القارة السادسة في القطب الجنوبي والمسماة صلى الله عليه وسلمntarctica قبل اكتشافها بأكثر من قرنين، كما أنه وصف جبالها ووديانها التي لم تكتشف حتى سنة (1952م).
ويحكي الكاتب إريك فون دانيكن في كتابه: ( Chariots of the gods) أن خرائط محيي الدين الريس سُلِّمت إلى الدكتور ماليري آرلنجتون أستاذ الخرائط الجغرافية في الجامعات الأمريكية، الذي قرَّر بعد فحص دقيق أنها تحتوي على كل الحقائق الجغرافية حول أمريكا، ولكنه شكَّ في وجود خطأ أو عدم دقَّة في بعض الأماكن، فطلب الاستعانة بجغرافيي الأسطول الأمريكي، الذين أظهرت دراساتهم أن خرائط بيري ريس قد نقلت الطبوغرافيا الداخلية للقارات (أي التضاريس) بدقَّة مذهلة؛ فتظهر فيها الجبال والأنهار والسهول، وكأنما أُخِذَت من الفضاء الخارجي12 وفي سنة (1957م) عكف فريق من علماء الجغرافيا بالمراصد الكبرى والبحريَّة الأمريكيَّة على مزيد من دراسة خرائط الريس، وبعد دراسات على أجهزة متطوِّرة وجدوا أن صِوره عن القارة السادسة صلى الله عليه وسلمntarctica صحيحة ودقيقة بدرجة مذهلة، حتى بالنسبة للمناطق التي لم يُستكمَل اكتشافها في عصرنا الحاضر؛ فالجبال على قارة القطب الجنوبي لم تُكْتَشَف حتى عام (1952م)، فهي دائمًا مغطَّاة بطبقة سميكة من الثلوج؛ بحيث إن اكتشاف وجودها على الخرائط الحديثة كان باستعمال أجهزة صدى الصوت صلى الله عليه وسلمcho-Sounding apparatus.
والجدير بالذكر هنا أيضًا هو اهتمام وكالة الفضاء الأمريكية بمواصلة دراسة هذه الخرائط؛ حيث اتَّضح أنها تشبه تمامًا الصور المأخوذة للكرة الأرضيَّة من مركبة فضائيَّة أثناء مرورها فوق منطقة القارة القطبيَّة الجنوبيَّة، وهي صور تغطي مسافة (خمسة آلاف ميل)، فوجدوا تشابهًا مذهلاً بين صور القمر الصناعي وبين خريطة بيري ريس13!
ج- اكتشاف الطريق إلى الهند من إسبانيا
وصف القلقشندى المتوفَّى سنة (1418م) في كتابه (صبح الأعشى) اتصال المحيط الأطلسي بالمحيط الهندي وصفًا دقيقًا يبيِّن معرفة المسلمين بهذه القضيَّة قبل فاسكو دي جاما 14 فيقول عن المحيط الأطلسي: "إنه يأخذ في الامتداد من سواحل بلاد المغرب الأقصى من زقاق سبتة (أي مضيق جبل طارق)، الذي بين الأندلس وبَرّ العُدْوة إلى جهة الجنوب حتى يتجاوز صحراء لمتونة (وهي بادية البربر) ". ثم يستمرُّ في شرح الطريق البحري فيقول: "ثم يعطف إلى جهة الشرق وراء جبال القمر التي منها منابع نيل مصر الآتي ذكرها، فيصير البحر المذكور جنوبيًّا عن الأرض ويمتدُّ شرقًا على أرض خراب وراء بلاد الزنج، ويمتد شرقًا وشمالاً حتى يتصل ببحر الصين والهند"15
ويذكر كراتشوفيسكي أن ملاَّحًا عربيًّا قام بنفس رحلة فاسكو دي جاما سنة (1420م)، ولكن بالطريق العكسي، فخرج من ميناء في المحيط الهندي ودار حول إفريقيا، حتى وصل إلى موانئ المغرب في المحيط الأطلنطي، وكان ذلك قبل فاسكو دي جاما بسبعة وعشرين عامًا16.
¥