تحدّث الرحّالة العرب عن خريطة المأمون، أو رسم الأرض، ورغم أنهم حفظوا لنا مجموعة من الحقائق عنها، فلا يزال هناك غموض كثير يكتنف طبيعة الأسس التي رسمت عليها، ومنهم المسعودي الذي رآها، حيث يقول: ورأيت هذه الأقاليم مصوّرة في غير كتاب بأنواع الأصباغ، وأحسن ما رأيت من ذلك في كتاب جغرافيا لمارينوس، وتفسير جغرافيا قطع الأرض، وفي الصورة المأمونيّة التي عملت للمأمون، واجتمع على صنعها عدّة من حكماء أهل عصره، صور فيها العالم بأفلاكه ونجومه وبره وبحره وعامره وغامره ومساكن الأمم والمدن وغير ذلك، وهي أحسن مما تقدّمها من جغرافية بطليموس وجغرافيا مارينوس وغيرهما. (10)
وحظي علم الخرائط عند المسلمين بأهميّة بالغة، فرسموا الخرائط البحريّة، التي استخدمها البحارة الأوروبيّون على نطاق واسع لتحديد موقعهم بالنسبة للموانئ والجزر البحريّة، وحساب المسافات التي تفصلهم عنها، وكان رائد هذا الفن، أبو عبد الله محمد بن محمد الإدريسي، الذي وضع بعد رحلة طويلة طاف خلالها الأندلس، وآسيا الصغرى، والقسطنطينيّة، ومصر، وشمال إفريقية، وسواحل فرنسا، وإنجلترا، للملك النورمندي (رجار الثاني) بجزيرة صقيلية، أقدم خريطة حائطيّّة للعالم المعمّر آنذاك، حدّد فيها التضاريس الجغرافيّة، ومواقع المدن، والبحار والأنهار، وكان من إعجاب الملك بها أنّه أمر بحفر هذه الخريطة على لوح من الفضة، تحت إشراف الإدريسي، فجاءت في غاية الدقة والاتقان.
وأضاف الإدريسي إلى هذين الإنجازين الرائعين شرحاً قيّماً تمثّل في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) حيث وضع لكل إقليم من الأقاليم السبعة، عشرة خرائط.
تطوير استخدام البوصلة:
وعرف المسلمون علم الأنواء لمعرفة الأيام الصالحة للملاحة، واستخدموا الإبرة المغناطيسيّة (البوصلة) لتحديد الاتجاهات على ظهر السفن، وطوّروها بما يخدم الملاحة، قبل الصينيّين.
إنشاء أول فرقة كشفية (الكاشف):
ذكر بعض الباحثين عن الخليفة الموحّدي عبد المؤمن بن علي، أنه لمّا اجتاز الجواز الثاني للأندلس وجد عقبة بن الحجاج والي الأندلس أنشأ طائفة من الفرسان لتوطيد الأمن في ولايته سماها (الكاشف) وعاين نظامها عبد المؤمن، وأعجب بها، فلما رجع إلى المغرب أحدث المدارس، وأسس فيها الألعاب الرياضية، وفرقاً للكشّافة أعطاها هذا الاسم، وطوّرها من حراسة الأمن إلى التربية والعمل على نشر الفضيلة وقمع الرزيلة.
يقول الأستاذ محمد المنوني: وبهذا العمل يكون المغرب قد سبق أوروبا لهذا الابتكار، ويكون عبد المؤمن هو المؤسس الأول للكشفية و (بادن باول) الانجليزي الذي اشتهر عند الكثير أنّه المؤسس الأول لمناهج الكشفية، إنّما له فضل تنظيم هذه الفرق، وبعث مناهجها في العصر الحاضر. (11)
ملاحظة اختلاف التوقيت:
وأوّل من لاحظ أنّ السفر حول الأرض يؤدي إلى زيادة أو نقصان يوم، هو المؤرخ الجغرافي الأمير عماد الدين إسماعيل المعروف بأبي الفداء.
يقول أبي الفداء في مقدّمة كتابه (تقويم البلدان): لو كان السير إلى جميع الأرض ممكناً، ثم فرض تفرق ثلاثة أشخاص من موضع بعينه، فسار أحدهم نحو المغرب، والثاني نحو المشرق، وأقام الثالث حتى دار السائران دوراً من الأرض، ورجع السائر في الغرب إليه من جهة الشرق، والسائر في الشرق من جهة الغرب، نقص من الأيام التي عدّوها جميعاً للمغربي واحد، وزاد للمشرقي واحد، من الذي سار إلى الغرب، ولنفرض أنّه دار الأرض في سبعة أيام، سار موافقاً لمسير الشمس، فيتأخر غروبها عنه بقدر سبع الدور بالتقريب، وهو مايسير في كل نهار، ففي سبعة أيام حصل له دور كامل، وهو يوم بكماله، والذي سار إلى الشرق كان سيره مخالفاً لمسير الشمس فتغرب الشمس عنه قبل أن يصل إلى سبع الدور، فيجتمع في ذلك مقدار يوم فتزيد أيامه يوماً كاملاً. (12)
المراجع:
1 ـ آثار مصر الإسلامية ص 15 د. محمد محمد الكحلاوي.
2 ـ نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ج 1 ص 5 محمد بن عبد الله بن إدريس.
3 ـ قرطبة حاضرة الخلافة في الأندلس ج 2 ص 205 د. السيد عبد العزيز سالم.
4 ـ العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين ص 92 محمد المنوني.
5 ـ فضل علماء المسلمين على الحضارة الأوروبية ص 105 د. عز الدين فراج
6 ـ العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين ص 93 محمد المنوني.
7 ـ حضارة الموحدين ص 65 محمد المنوني.
8 ـ الحضارة الإسلامية ص 113 د. إبراهيم سليمان عيسى.
9 ـ المسلمون في تأريخ الحضارة ص 96 ستانوود كب.
10 ـ أثر العرب في الحضارة الأوروبية ص 306 جلال مظهر.
11 ـ العلوم والآداب والفنون على عهد الموحدين ص 94 محمد المنوني.
12 ـ أثر العرب في الحضارة الأوروبية ص 317 جلال مظهر.
منقول للفائدة من مجلة الغرباء الالكترونية
ـ[المسلم السلفى]ــــــــ[25 - عز وجلec-2010, مساء 05:13]ـ
شكرا على هذا الموضوع المفيد
¥