ويحدّثنا الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق في اختراق الآفاق) أو الكتاب الروجاري، نسبة إلى الملك (روجر) عن قصة (الإخوة المغرورين) وهم ثمانية رجال كلّهم أبناء عم، ابتنوا مركباً أعدوا فيه الماء والزاد ما يكفيهم لأشهر، ثم دخلوا بحر الظلمات فجروا فيه ثلاثين يوماً، من مدينة لشبونة، (الجزء البحري منها يسمى الحمّة) إلى القارّة الأمريكيّة، في رحلة استغرقت ثلاثين يوماً، ووصلوا إلى جزر (أزورس) ثم إلى جزر الأنتيل (كفاريس) قبل أن يكتشفها (كريستوف كولومبس) بخمسة قرون.

يقول الدكتور عز الدين فرّاج: وإذا لم تكن الرحلة المثيرة التي قام بها الفتية العرب في القرن التاسع الميلادي من ميناء لشبونة غرباً، ووصولهم إلى أرض قيل أنها إحدى جزر الأنتيل، أو أحد موانئ المكسيك، والتي روى تفصيلاتها الشريف الإدريسي في كتابه (نزهة المشتاق) قد أثارت مطامع الملاّحين الأوروبيين، في احتزاء حذوهم، حتى جرؤ (كريستوف كولمبس) على الإقدام على تلك المغامرة بعد ذلك بنحو خمسة قرون، فحسبنا أنّ عالماً حراً من علماء العرب هو أبو الثناء الأصفهاني قد لفت الأذهان إلى إمكان تحقيق تلك الفكرة. (5)

اكتشاف منابع النيل:

وكشف الرحالة المسلمون في عهد الموحّدين بحيرة (فكتوريا نيانزا) وكان في مقدّمتهم الشريف الإدريسي الذي رسم في إحدى خرائطه المحفوظة في متحف (سان مارتين) بفرنسا، منابع النيل.

ومنهم الأمير المغربي أبو دبوس بن أبي العلي، أحد أمراء بني عبد المؤمن، وآخر سلاطين بر العدوة من بني عبد المؤمن، وكان قد وصل منابع النيل في أيام هربه من بني عبد الحق ملوك بني مرّين، فسبقوا بذلك المكتشفين: (سبيك) و (جرانت) اللذين اكتشفا البحيرة عام 1862 وسمياها باسم الملكة الإنجليزيّة. (6)

اكتشاف ساحل أفريقيا الغربي:

وقام الرحالة المغربي ابن فاطمة برحلة بحريّة جنوبي مراكش، وتوغّل في كشف الساحل الأفريقي الغربي، فوصل إلى أبعد مما كان معروفاً عند الأوروبيّين حينذاك، وغرقت سفينته في موضع ساحل الذهب، ولعله كتب أخبار هذه الرحلات في كتب لم تصلنا. (7)

وصف الطريق البحري إلى الهند:

ويعود الفضل إلى الملاّح العربي أحمد بن ماجد، في وصف الطريق البحري الموصل إلى الهند، عن طريق رأس الرجاء الصالح، حيث قاد سفن (فاسكودي غاما) البرتغالي من مالندي في شرق أفريقيا، إلى كلكتا في الهند، ومن الجدير بالذكر أنّ ابن ماجد وضع كتيّباً عن الملاحة في البحر الأحمر والخليج العربي، وعن مياه جنوب شرق آسيا.

الوصول إلى الصين:

وسافر إلى الصين عبد الرحمن بن هرون المغربي في زمن الموحّدين، وأقام به وبجزائره مدّة طويلة، حتى صار يعرف بالصيني.

ووصل المسلمون في البر إلى التركستان الروسيّة والصينية وبلاد المغول والصين، وفي البحر إلى شواطئ آسيا الشرقيّة، واكتشفوا جزائر الخالدات (كناريا) غرب شمالي إفريقيا، ومخروا عباب المحيط الأطلنطي إلى مسافات بعيدة، وتجوّلوا بقوافلهم في السودان والصحراء الكبرى حتى بلاد كثيرة في وسط وشرق وغرب وجنوب أفريقيا. (8)

ويصف المستشرق (ستانوود كب) العرب بأنّهم كانوا ملاّحين محنّكين ويقول: ولقد دأبوا على اجتياز المحيط الهندي في جرأة طلباً للتجارة مع الهند والساحل الشرقي لأفريقيا، كما سيطروا على البحر المتوسط طيلة خمسة قرون تقريباً، ولقد سبقوا (كولمبس) في مغامرات الأطلنطي، ولعلهم قد بلغوا فيه جزر أزورس.

ويخلص (ستانوود كب) إلى نتيجة مفادها: أنّه يمكن للمرء أن يقرّر في اطمئنان أنّه لولا هذه الخبرات الملاحيّة التي ورثها (كولمبس) عن العرب، ولولا إحياء المفهوم الإغريقي عن كروية الأرض الذي أعاده العرب إلى أوروبا لما أقدم (كولمبس) قط على المخاطرة في خوض الأطلنطي أو خطر له مجرد تصوّر فكرة هذه الرحلة. (9)

ولم تكن رحلات المسلمين في الآفاق للنزهة، بل هي رحلات علميّة رأى فيها الرحّالة العرب البلدان ووصفوها، وقابلوا أهلها، وتحدّثوا إليهم، وكتبوا عن حياتهم الاجتماعيّة.

أوّل أطلس جغرافي، وأوّل دليل سفر:

ووضع البلخي كتاب (صور الأقاليم) فكان أوّل أطلس جغرافي، وصنف أبو القاسم بن خرداذبة أوّل دليل سفر، عندما وصف في كتابه (المسالك والممالك) الطريق البحري من مصب دجلة في الخليج العربي حتى موانئ الصين.

أوّل خريطة حائطيّة:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015