فتح تستر

قال ابن جرير: كان ذلك في هذه السنة في رواية سيف بن عمر التميمي.

وكان سبب ذلك: أن يزدجرد كان يحرض أهل فارس في كل وقت، ويؤنبهم بملك العرب بلادهم وقصدهم إياهم في حصونهم، فكتب إلى أهل الأهواز وأهل فارس، فتحركواوتعاهدوا وتعاقدوا على حرب المسلمين، وأن يقصدوا البصرة.

وبلغ الخبر إلى عمر، فكتب إلى سعد - وهو بالكوفة -: أن ابعث جيشاً كثيفاً إلى الأهواز مع النعمان بن مقرن وعجل وليكونوا بإزاء الهرمزان، وسمى رجالاً من الشجعان الأعيان الأمراء يكونون في هذا الجيش، منهم

: جرير بن عبد الله البجلي، وجرير بن عبد الله الحِمْيَري، والنعمان بن مقرن، وسويد بن مقرن، وعبد الله بن ذي السهمين.

وكتب عمر إلى أبي موسى وهو بالبصرة: أن ابعث إلى الأهواز جنداً كثيفاً، وأمرعليهم سهيل بن عدي، وليكن معه البراء بن مالك، وعاصم بن عمرو، ومجزأة بنثور، وكعب بن ثور، وعرفجة بن هرثمة، وحذيفة بن محصن، وعبد الرحمن بن سهل، والحصين بن معبد.

وليكن على أهل الكوفة، وأهل البصرة جميعاً أبو سبرة بن أبي رهم، وعلى كل من أتاه من المدد.

قالوا: فسار النعمان بن مقرن بجيش الكوفة، فسبق البصريين فانتهى إلى رامهرمز، وبها الهرمزان، فخرج إليه الهرمزان في جنده ونقض العهد بينه وبين المسلمين، فبادره طمعاً أن يقتطعه قبل مجيء أصحابه من أهل البصرة رجاء أن ينصر أهل فارس.

فالتقى معه النعمان بن مقرن بأربل فاقتتلا قتالاً شديداً، فهزم الهرمزان وفر إلى تستر، وترك رامهرمز فتسلمها النعمان عنوةً وأخذ ما فيها من الحواصل، والذخائر، والسلاح، والعدد. (3)

وقعة نهاوند

وهي وقعة عظيمة جداً لها شأن رفيع، ونبأ عجيب، وكان المسلمون يسمونها فتح الفتوح.

والمقصود: أن أهل فارس اجتمعوا من كل فج عميق بأرض نهاوند.

حتى اجتمع منهم مائة ألف وخمسون ألف مقاتل، وعليهم الفيرزان، ويقال: بندار، ويقال: ذو الحاجب.

وتذامروافيما بينهم، وقالوا: إن محمداً الذي جاء العرب لم يتعرض لبلادنا، ولا أبو بكر الذي قام بعده تعرض لنا في دار ملكنا، وإن عمر بن الخطاب هذا لماطال ملكه انتهك حرمتنا وأخذ بلادنا، ولم يكفه ذلك حتى أغزانا في عقر دارنا، وأخذ بيت المملكة، وليس بمنته حتى يخرجكم من بلادكم.

فتعاهدوا وتعاقدوا على أن يقصدوا البصرة والكوفة ثم يشغلوا عمر عن بلاده، وتواثقوا من أنفسهم وكتبوا بذلك عليهم كتاباً.

فلماكتب سعد بذلك إلى عمر - وكان قد عزل سعداً في غضون ذلك - شافه سعد عمر بما تمالؤا عليه وتصدوا إليه، وأنه قد اجتمع منهم مائة وخمسون ألفاً.

وجاء كتاب عبد الله بن عبد الله بن عتبان من الكوفة إلى عمر مع قريب بن ظفرالعبدي: بأنهم قد اجتمعوا وهم منحرفون متذامرون على الإسلام وأهله، وأنالمصلحة يا أمير المؤمنين أن نقصدهم فنعالجهم عما هموا به وعزموا عليه منالمسير إلى بلادنا.

فقال عمر لحامل الكتاب: ما اسمك؟

قال: قريب.

قال: ابن من؟

قال: ابن ظفر.

فتفاءلعمر بذلك، وقال: ظفر قريب، ثم أمر فنودي للصلاة جامعة، فاجتمع الناس، وكان أول من دخل المسجد لذلك سعد بن أبي وقاص فتفاءل عمر أيضاً بسعد، فصعدعمر المنبر حتى اجتمع الناس فقال: إن هذا يوم له ما بعده من الأيام، ألاوإني قد هممت بأمر فاسمعوا وأجيبوا وأوجزوا ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهبريحكم، إني قد رأيت أن أسير بمن قبلي حتى أنزل منزلاً وسطاً بين هذين المصرين فاستنفر الناس، ثم أكون لهم ردءاً، حتى يفتح الله عليهم.

فقام عثمان، وعلي، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف في رجال من أهل الرأي، فتكلم كل منهم بانفراده، فأحسن وأجاد، واتفق رأيهم: على أن لا يسير من المدينة، ولكن يبعث البعوث ويحصرهم برأيه ودعائه.

وكان من كلام علي رضي الله عنه أن قال: يا أمير المؤمنين، إن هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلة، هو دينه الذي أظهر، وجنده الذي أعزه وأمده بالملائكة حتى بلغ ما بلغ، فنحن على موعود من الله، والله منجز وعده، وناصر جنده، ومكانك منهم يا أمير المؤمنين مكان النظام من الخرز يجمعه ويمسكه، فإذا انحل تفرق ما فيه وذهب، ثم لم يجتمع بحذافيره أبداً.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015