والعرب اليوم وإن كانوا قليلاً، فهم كثير عزيز بالإسلام، فأقم مكانك واكتب إلى أهل الكوفة، فهم أعلام العرب ورؤساؤهم، فليذهب منهم الثلثان ويقيم الثلث، واكتب إلى أهل البصرة يمدونهم أيضاً. - وكان عثمان قد أشار في كلامه أن يمدهم في جيوش من أهل اليمن والشام. ووافق عمر على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة - فرد علي على عثمان في موافقته على الذهاب إلى ما بين البصرة والكوفة كما تقدم.
ورد رأي عثمان فيم أشار به من استمداد أهل الشام خوفاً على بلادهم إذا قل جيوشها من الروم.
ومن أهل اليمن خوفاً على بلادهم من الحبشة.
فأعجب عمر قول علي وسرَّ به - وكان عمر إذا استشار أحداً لا يبرم أمراً حتى يشاور العباس - فلما أعجبه كلام الصحابة في هذا المقام عرضه على العباس، فقال: يا أمير المؤمنين، خفض عليك، فإنما اجتمع هؤلاء الفرس لنقمة تنزل عليهم.
ثم قال عمر: أشيروا علي بمن أوليه أمر الحرب وليكن عراقياً.
فقالوا: أنت أبصر بجندك يا أمير المؤمنين.
فقال: ما والله لأولين رجلاً يكون أول الأسنة إذا لقيها غداً.
قالوا: من يا أمير المؤمنين؟
قال: النعمان بن مقرن.
فقالوا: هو لها - وكان النعمان قد كتب إلى عمر وهو على كسكر وسأله أن يعزله عنهاويوليه قتال أهل نهاوند - فلهذا أجابه إلى ذلك وعينه له.
ثمكتب عمر إلى حذيفة: أن يسير من الكوفة بجنود منها، وكتب إلى أبي موسى: أن يسير بجنود البصرة، وكتب إلى النعمان - وكان بالبصرة - أن يسير بمن هناك من الجنود إلى نهاوند، وإذا اجتمع الناس فكل أمير على جيشه، والأميرعلى الناس كلهم النعمان بن مقرن.
فإذاقتل فحذيفة بن اليمان، فإن قتل فجرير بن عبد الله، فإن قتل فقيس بن مكشوح، فإن قتل قيس، ففلان ثم فلان، حتى عد سبعة أحدهم المغيرة بن شعبة، وقيل: لم يسم فيهم. والله أعلم.
وصورةالكتاب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر أمير المؤمنين، إلى النعمان بن مقرن، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو، أمابعد: فإنه قد بلغني أن جموعاً من الأعاجم كثيرة قد جمعوا لكم بمدينةنهاوند، فإذا أتاك كتابي هذا فسر بأمر الله وبعون الله وبنصر الله بمن معك من المسلمين، ولا توطئهم وعراً فتؤذيهم، ولا تمنعهم حقهم فتكفرهم، ولاتدخلهم غيضةً، فإن رجلاً من المسلمين أحب إليَّ من مائة ألف دينار، والسلام عليك. فسرفي وجهك ذلك حتى تأتي ماه فإني قد كتبت إلى أهل الكوفة أن يوافوك بها، فإذا اجتمع إليك جنودك فسر إلى الفيرزان ومن جمع معه من الأعاجم من أهلفارس وغيرهم، واستنصروا وأكثروا من لا حول ولا قوة إلا بالله.
وكتب عمر إلى نائب الكوفة - عبد الله بن عبد الله - أن يعين جيشاً، ويبعثهم إلى نهاوند، وليكن الأمير عليهم حذيفة بن اليمان، حتى ينتهي إلى النعمان بن مقرن، فإن قتل النعمان فحذيفة، فإن قتل فنعيم بن مقرن.
وولى السائب بن الأقرع قسم الغنائم.
فسارحذيفة في جيش كثيف نحو النعمان بن مقرن ليوافوه بماه، وسار مع حذيفة خلق كثير من أمراء العراق، وقد أرصد في كل كورة ما يكفيها من المقاتلة، وجعل الحرس في كل ناحية، واحتاطوا احتياطاً عظيماً، ثم انتهوا إلى النعمان بن مقرن حيث اتعدوا، فدفع حذيفة بن اليمان إلى النعمان كتاب عمر وفيه الأمر لهبما يعتمده في هذه الوقعة، فكل جيش المسلمين في ثلاثين ألفاً من المقاتلة فيما رواه سيف عن الشعبي، فمنهم: من سادات الصحابة ورءوس العرب خلق كثيروجم غفير.
منهم: عبد الله بن عمر أمير المؤمنين، وجرير بن عبد الله البجلي، وحذيفة بن اليمان، والمغيرة بن شعبة، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وطليحة بن خويلدالأسدي، وقيس بن مكشوح المرادي.
فسار الناس نحو نهاوند وبعث النعمان بن مقرن الأمير بين يديه طليعة ثلاثة:
وهم: طليحة، وعمرو بن معدي كرب الزبيدي، وعمرو بن أبي سلمة.
ويقال له: عمرو بني ثبى أيضاً، ليكشفوا له خبر القوم وما هم عليه.
فسارت الطليعة يوماً وليلة فرجع عمرو بن ثبى فقيل له: ما رجعك؟
فقال: كنت في أرض العجم، وقتلت أرض جاهلها، وقتل أرض عالمها.
¥