(عند ذي العرش مكين) أي جبريل عليه السلام مقرب عند الله تعالى , له منزلة رفيعة , و خصيصة من الله اختصه بها. قال أبو صالح في قوله " عند ذي العرش مكين " قال: جبريل يدخل في سبعين حجابا من نور بغير إذن.

فجبريل عليه السلام له مكانة و منزلة فوق منازل الملائكة كلهم.

(مُطاع ثَمَّ) له وجاهة , و هو مسموع القول مطاع في الملأ الأعلى , قال قتادة: " مطاع ثمّ " أي: في السماوات , يعني: ليس هو من أفناء الملائكة , بل هو من السادة و الأشراف , مُعْتَنى به , انتخب لهذه الرسالة العظيمة.

(أمين) صفة لجبريل بالأمانة , و هذا عظيم جدا أن الرب عز و جل يزكي عبده و رسوله الملكي جبريل عليه السلام.

و هذا كله يدل على شرف القرآن عند الله تعالى , فإنه بعث به هذا الملك الكريم , الموصوف بتلك الصفات الكاملة. و العادة أن الملوك لا ترسل الكريم عليها إلا في أهم المهمات , و أشرف الرسائل.

(و ما صاحبكم بمجنون) أي: محمد صلى الله عليه و سلم ليس ممن يتكلم عن جِنَّة و يهذي هذيان المجانين " بل جاء بالحقّ و صدّق المرسلين " و هذا نفي لما كان يبهته به أعداؤه , صلى الله عليه و سلم , حسدا و لؤما. قال الشهاب: و في قوله " صاحبكم " تكذيب لهم بألطف وجه. إذ هو إيماء إلى أنه نشأ بين أظهركم من ابتداء أمره إلى الآن , فأنتم أعرف به و بأنه أتم الخلق عقلا و أرجحهم نبلا و أكملهم و أصفاهم ذهنا. فلا يسند له الجنون إلا من هو مركب من الحمق و الجنون.

(و لقد رآه بالأفق المبين) أي: رأى محمد صلى الله عليه و سلم جبريل عليه السلام بالأفق البيِّن – الذي هو أعلى ما يلوح للبصر – على الصورة التي خلقه الله عليها له ستمائة جناح و قد سدّ الأفق كله. و هي الرؤية الأولى التي كانت بالبطحاء , و هي المذكورة في قوله تعالى " علّمه شديد القوى , ذو مرّة فاستوى , و هو بالأفق الأعلى , ثُمّ دنا فتدلّى , فكان قاب قوسين أو أدنى , فأوحى إلى عبده ما أوحى ".

(و ما هو على الغيب بضنين) و ما هو على ما أوحاه الله إليه بمتهم يزيد فيه أو ينقص أو يكتم بعضه , بل هو صلى الله عليه و سلم أمين أهل السماء و الأرض , الذي بلغ رسالات ربه البلاغ المبين. فلم يبخل بشيء منه , بل بلَّغه و نشره و بذله لكل من أراده.

(و ما هو بقول شيطان رجيم) و ما هذا القرآن بقول شيطان رجيم. و هو نفي لقولهم إنه كهانة , قال تعالى " و ما تنزّلت به الشياطين و ما ينبغي لهم و ما يستطيعون ".

(فأين تذهبون) ينكر عليهم مسلكهم الشائن في تكذيب رسوله محمد صلى الله عليه و سلم و إتهامه بالسحر , و القرآن بالشعر و الكهانة و الأساطير.

(إن هو إلاّ ذكر للعالمين) أي هذا القرآن ذكر لجميع الناس , يتذكّرون به خالقهم و رازقهم و محييهم و مميتهم , و ما له عليهم من حق العبادة وواجب الشكر , و يتعضون به فيخافون ربهم فلا يعصونه بترك فرائض عليهم و لا بارتكاب ما حرمه عليهم.

(لمن شاء منكم أن يستقيم) أي: من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن , فإنه منجاة له و هداية , لا هداية فيما سواه.

(و ما تشاءون إلا أن يشاء ربّ العالمين) أي و ما تشاءون شيئا من فعالكم , إلا أن يشاء الله تمكينكم من مشيئتكم , و إقداركم عليها , و التخلية بينكم و بينها. و فائدة هذا الإخبار , و هو الإعلام بالإفتقار إلى الله تعالى , و أنه لا قدرة للعبد على ما لم يقدره الله عز و جل , فهو خاضع لسلطان مشيئته , مقهور تحت تدبيره و إرادته.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[02 - Jun-2008, مساء 09:21]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة عبس

و تسمى سورة الصاخبة , و هي مكية و آيها اثنتان و أربعون.

ذكر غير واحد من المفسرين أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يوما يخاطب بعض عظماء قريش , و قد طمع في إسلامه , فبينما هو يخاطبه و يناجيه إذ أقبل ابن أم مكتوم – و كان ممن أسلم قديما – فجعل يسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم عن شيء و يلح عليه , وَوَدَّ النبي صلى الله عليه و سلم أن لو كف ساعته تلك ليتمكن من مخاطبة ذلك الرجل , طمعا و رغبة في هدايته. و عبس في وجه ابن أم مكتوم و أعرض عنه , و أقبل على الآخر , فأنزل الله عز و جل " عبس و تولى ".

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015