يا قليل الآداب انظر من تخاطب وأجبه بأدب واحترام فهو أمير العراق والشام.

فقال الغلام: أما سمعتم قوله تعالى " كل نفس تجادل عن نفسها"

فقال الحجاج: فمن عنيت بكلامك أيها الغلام؟

قال: عنيت به على بن أبى طالب وأصحابه وأنت يا حجاج _على من تسلم؟

فقال الحجاج: على عبدالملك بن مروان.

فقال الغلام: عبدالملك الفاجر عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين.

فقال الحجاج: ولم ذلك يا غلام؟

فقال: لأنه أخطأ خطيئةً عظيمة مات بسببها خلق كثير ..

فقال بعض الجلساء اقتله يا أمير المؤمنين فقد خالف الطاعة وفارق الجماعة وشتم عبدالملك بن مروان.

فقال الغلام: يا حجاج أصلح جلسائك فإنهم جاهلون فأشار الحجاج لجلسائه بالصمت.

ثم سأله الحجاج: هل تعرف أخي؟

فقال الغلام: أخوك فرعون حين جاءه موسى وهارون ليخلعوه عن عرشه فاستشار جلسائه.

فقال الحجاج: اضربوا عنقه.

فقال له الرقاشي: هبني إياه يا أمير المؤمنين أصلح الله شأنك.

فقال الحجاج: هو لك لا بارك الله فيه.

فقال الغلام: لا شكر للواهب ولا للمستوهب.

فقال الرقاشي: أنا أريد خلاصك من الموت فتخاطبني بهذا الكلام ..

ثم التفت الرقاشي إلى الحجاج وقال له: افعل ما تريد يا أمير المؤمنين.

فقال الحجاج للغلام: من أي بلد أنت؟

فقال للغلام: من مصر.

فقال له الحجاج: من مدينة الفاسقين.

فقال الغلام: ولماذا أسميتها مدينة الفاسقين؟

قال الحجاج: لأن شرابها من ذهب ونسائها لعب ونيلها عجب وأهلها لا عجم ولا عرب.

فقال الغلام: لستُ منهم.

فقال الحجاج: من أي بلد إذن؟

قال الغلام: أنا من أهل خرسان.

فقال الحجاج: من شر مكان وأقل الأديان.

فقال الغلام: ولم ذلك يا حجاج؟

فقال: لأنهم عجم أعجام مثل البهائم والأغنام كلامهم ثقيل و غنيهم بخيل.

فقال الغلام: لستُ منهم.

فقال الحجاج: من أين أنت؟

قال: أنا من مدينة الشام.

قال الحجاج: أنت من أحسن البلدان وأغضب مكان وأغلظ أبدان.

قال الغلام: لستُ منهم.

قال الحجاج: فمن أين إذن؟

قال الغلام: من اليمن.

فقال الحجاج: أنت من بلد غير مشكور.

قال الغلام: ولم ذلك؟

قال الحجاج: لأن صوتهم مليح و عاقلهم يستعمل الزمر و جاهلهم يشرب الخمر.

قال الغلام: أنا لستُ منهم.

قال الحجاج: فمن أين إذن؟

قال الغلام: أنا من أهل مكة.

فقال الحجاج: أنت إذن من أهل اللؤم والجهل وقلة العقل.

فقال الغلام: ولم ذلك؟

قال: لأنهم قوم بعث فيهم نبي كريم فكذبوه وطردوه وخرج من بينهم إلى قوم أحبوه وأكرموه.

فقال الغلام: أنا لستُ منهم.

فقال الحجاج: لقد كثرت جواباتك علي وقلبي يحدثني بقتلك.

فقال الغلام: لو كان أجلي بيدك لما عبدت سواك ولكن اعلم يا حجاج أني أنا من أهل طيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال الحجاج: نعمت المدينة أهلها أهل الإيمان والإحسان فمن أي قبيلة أنت؟

فقال الغلام: من ثلى بنى غالب من سلالة علي بن أبى طالب عليه السلام وكل نسب وحسب ينقطع إلا حسبنا و نسبنا فإنه لا ينقطع إلى يوم القيامة ..

فاغتاظ الحجاج غيظاً شديداً وأمر بقتله.

فقال له كل من حضر من الوزراء: ولكنه لا يستحق القتل وهو دون سن البلوغ أيها الأمير.

فقال الحجاج: لا بد من قتله ولو يناد منادى من السماء.

فقال الغلام: ما أنت بنبي حتى يناديك مُنادٍ من السماء.

فقال الحجاج: ومن يحول بيني وبين قتلك.

فقال الغلام: يحول بينك وبين قتلي ما يحول بين المرء وقلبه.

فقال الحجاج: وهو الذي يعينني على قتلك.

فقال الغلام: كلا إنما يعينك على قتلي شيطانك و أعوذ بالله منك ومنه.

فقال الحجاج: أراك تجاوبني على كل سؤال فأخبرني ما يقرب العبد من ربه؟

فقال الغلام: الصوم والصلاة والزكاة والحج.

فقال الحجاج: أنا أتقرب إلى الله بدمك لأنك قلت أنك من أولاد الحسن والحسين.

فقال الغلام: من غير خوف ولا جزع أنا من أولاد رسول الله صلى الله عليه وآلهِ وسلم إن كان أجلي بيدك! فقد حضر شيطانك يعينك على فساد آخرتك.

فأجابه الحجاج: أتقول أنك من أولاد الرسول وتكره الموت؟

قال الغلام: قال الله تعالى " ولا تلقوا بأيدكم إلى التهلكة"

قال الحجاج: ابن من أنت؟

قال الغلام: أنا ابن أبي و أمي.

فسأله الحجاج: من أين جئت؟

قال الغلام: على رحب الأرض.

فقال الحجاج: أخبرني من أكرم العرب؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015