لها، لتفتح لها الباب، صورة الأنذال وهم يطلقون الرصاص على ذلك الجسد الطاهر، رصاصتان في رأسها، رصاصتان في صدرها، رصاصة تحت إبطها.

آه يا طالب الإيمان، لقد حركت شجونا، وفتحت جروحا، واستثرت قروحا.

فلو كان النساء كمن فقدنا لفضِّلت النساء على الرجال

فما التأنيث لاسم الشمس عيبٌ ولا التذكير فخرٌ للهلال

رحمها الله تعالى وتقبل منها.

ـ[أبو عائشة المغربي]ــــــــ[20 - صلى الله عليه وسلمug-2008, صباحاً 04:34]ـ

بطلة قصتنا الأخت الفاضلة بنان الطنطاوي (رحمها الله) ابنة الشيخ الفاضل علي الطنطاوي "أمد الله في عمره" .. وزوجة المجاهد المحتسب الأستاذ عصام العطار، الذي أُخرج من بلده مهاجراً بدينه وعقيدته ليستقر في ألمانيا ويواصل مسيرة الكفاح عبر مجلة "الرائد".

في هذين البيتين الطيبين "بيت العلم والجهاد" نشأت بنان وترعرعت .. ففي بيت والدها العالم الورع الشيخ علي الطنطاوي رضعت لبان العلم والتقوى وفطمت برحيق الإيمان .. وفي بيت زوجها عصام تحلت بُحلى الجهاد .. وذاقت طعم التضحية والاستشهاد .. فأكرم بها من نعمة حباها بها الله فضلاً وتكرماً.

لقد عانت الأخت المجاهدة بنان كثيراً من زوار الفجر الذين طالما طرقوا دارها وانتزعوا زوجها ليلقوه في غياهب السجون، ظانين أنهم بذلك سيطفئون في قلبه شعلة الإيمان، ويخفون في أعماقه حبه للدعوة والجهاد.

وما أحوج الزوج المؤمن في هذه اللحظات الحرجة إلى زوجة قوية الإرادة تمده بالصبر والثبات، وكانت له "بنان" بحق خير معين في محنته .. فاستمعي إليها ـ أختي ـ وهي تكتب له في سجنه عام 1966م:

"لا تفكر فيَّ وفي أولادك وأهلك، ولكن فكر كما عودتنا دائماً بإخوانك ودعوتك وواجبك".

وحينما ضُيِّق عليه الخناق وأُجبر على فراق الأهل والديار والزوجة والأولاد، واصلت الزوجة مواقفها العظيمة وراسلته تحثه على الثبات وعدم الخضوع:

"نحن لا نحتاج منك لأي شيء خاص بنا، ولا نطالبك إلا بالموقف السليم الكريم الذي يرضي الله عز وجل، وبمتابعة جهادك الخالص في سبيل الله حيثما كنت وعلى أي حال كنت، والله معك (يا عصام) وما يكتبه الله لنا هو الخير".

وحينما أصيب زوجها بالشلل في بروكسل كتبت تواسيه:

"لا تحزن يا عصام .. إنك إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا .. وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا .. تابع طريقك الإسلامي المستقل المميز الذي شكلته وآمنت به، فنحن معك على الدوام، نأكل معك ـ وإن اضطررنا ـ الخبز اليابس، وننام معك تحت خيمة من الخيام".

فأي قوة هذه التي تحيل المحنة إلى منحة، وتنسج من خيوط الألم واليأس بردة زاهية من الأمل المشرق.

ولم ترض الزوجة المجاهدة بالبقاء وسط الأهل وزوجها مطارد في دينه وإيمانه، ولم تطب نفسها أن تتركه وحيداً رهين "الغربة والشلل"، فلحقت به مهاجرة إلى ألمانيا، وهنالك واصلت نشاطها، وهنالك أنشأت مركزاً نسائياً للمسلمات، وقد أكرمها الله فتاب على يديها الكثيرات.

حين نتحدث عن الأخت بنان قد نتساءل: كيف تسنى لهذه المرأة أن تكون بهذه الصفات في وقت ظلت فيه بنات جيلها أسيرات الكريم والمساحيق، وبيوت الأزياء والكوافير؟ ولكن قد يزول عجبنا حينما نعلم أن الزوج هو عصام العطار، الذي تعلمت منه بنان معاني الصبر والتضحية، فاسمعيه وهو يقول:

"طريق الحق والواجب ليس مفروشاً بالسجاد الأحمر والأمن والملذات، فلابد أن نمشي على الأشواك والمخاوف والآلام، وأن تدمى عليه نفسك وقدماك، وربما فقدت فيه الحياة، ولكن تذكر أن نهايته الجنة ورضوان من الله أكبر، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور".

وهنالك في بيتها في ألمانيا .. والزوج غائب .. جاء ثلاثة من أعوان الطغاة ليضعوا نهاية لقصة كُلها كفاح وجهاد، جاءوا يلاحقون الزوج فلم يجدوا إلا الزوجة المؤمنة تحرس البيت فأفرغوا في صدرها ونحرها خمس رصاصات، أسقطتهم في حمأة الخسَّة والغدر، وعلت بـ"بنان" شهيدة في الجنان ـ إن شاء الله ـ وكان ذلك في 17 - 3 - 1981م.

وما كان لبنان أن تموت في فراشها، وما كان لهذه الروح المحلِّقة في سماء المجد أن تموت في السفح كالأخريات:

ما كان مثلك أن يموت مدثراً

بين السرير مذهَّب العيدان

فلك الله أيها الزوج الصابر الممتحن، ولك الجنة والنعيم ـ بإذن الله ـ أيتها الزوجة المضحية الوفية.

وَلَكُنَّ أخواتي المسلمات في مشارق الأرض ومغاربها في قصة "بنان" أروع المثل.

عن مجلة المجتمع

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015