ويهود خيبر كانوا في حصونٍ منيعة فوق الجبال يكدسون فيها السلاح من أعوام، وحين نزل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بساحتهم ظلوا وراء الجدر يرمون بالسهام، وحين التحمت الصفوف لم يثبت إلا نفر أو نفران ــ وهي قلة لا يُقاس عليها ــ وفرَّ الباقون إلى الحصن المجاور ثم الذي يليه حتى نزلوا على الصلح، ورضوا بالزرع وأذناب البقر. ولم تتحرك يهود وادي القرى وفدك لنصرة إخوانهم في خيبر. بل جاءوا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يهرعون ومن قبل كانوا يزأرون ويتوعدون.!!

إنها يهود!

وفي أمر الشبهات، لم تكن يهود تذهب إلى رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ وتحاوره هي بنفسها ــ إلا قليلا جدا ــ وإنما احتضنت المنافقين وأمدتهم بالشبهات كيما يتكلمون هم بها.

إن يهود هي يهود ... تجمع وتستكثر، وتُجعجع وتزمجر أمام نساءها وصبيانها وأذنابها من المنافقين، وتكبر في حس كلِّ مرجف جبان أحب الحياة الدنيا على الآخرة، فيملأ (الفضاء) بإرجافه، وحين ترى يهود الموت لا تحملها ساقُها وتلقي سلاحَها وإن كانت مستيقنة من أنه الذبح ــ وليس إلا الموتُ يرجعها ــ. وفي المقابل حين تظهر يهود تقتل النساء والصبيان والشيوخ والشبان. . . وكتابهم يأمرهم بهذا

والمقصود أن يهود متى وجدت فإنها لا تقف وحدها أبدا بل لا بد لها من زراع تضرب بها (زراع الكافرين) وزراع تنشر بها الفساد بين الناس ـ زراع المنافقين ـ، فهم لا يقفون أبدا وحدهم وإنما يقف معهم الأحمق المطاع بجيشه الجرار (عُيَيَّنَة بن حصن بالأمس وبوش اليوم) ويقف فيه المنافقون الذين يحملون أسماء إسلامية ويدّعون الانتساب للإسلام وأنهم يفعلون ذلك من باب العقلانية وخشية الدوائر.

وشيءٌ آخر:لا تستطيع العقلية اليهودية بخلفيتها العقدية التي لا ترى على نفسها في الأميين سبيل أن تعيش دون أن تسعى في الأرض فسادا. بحثا عن الأمن لنفسها، أو بحثا عن المال، أو نكاية في جنس الأمميين لمجرد النكاية.

صراحة أُحملُ يهود سبب ظهور النفاق بالأمس واليوم. وأحملها سبب دعمه بالأمس واليوم. وهذا ما أردت قوله من هذه الفقرة. ولعل الأمر يزداد وضوحا مما سيأتي في ثنايا البحث.

لكن غالب تلامذته اتجهوا نحو ليبرالية علمانية وفق تطور تدريجي في أعقاب وفاة شيخهم ()،

===============

الهوامش

في العدد 89 من مجلة البيان وفي مقال بعنوان (منشأ النفاق) كتب أحدهم يقول أن النفاق لم يكن موجودا في مكة ولم ينزل فيه شيء من القرآن، ويؤكد على أن النفاق لم يكن من أخلاق العرب. وهذا كلام عجيب. فالذين نافقوا كانوا عربا ومن أشراف العرب وسادتهم المطاعين فيهم كابن سلول، والجَدُّ بن قيس والجُّلاس وغيرهم، وقد كان في مكة منافقين ونزلت فيهم آيات محكمات كما سيأتي.

والملأ هم الجماعة من الرجال لا امرأة فيهم كما يقول الطبري عند تفسير الآية 60 من سورة الأعراف، (والملأ هم الأشراف من الناس كأنهم ممتلئون شرفا. قال الزجاج سمّوا بذلك لأنهم ممتلئون مما يحتاجون إليه. والملأ أيضا حسن الخلق ومنه الحديث (أحسنوا الملأ فكلكم سيَرْوى) خرَّجَهُ مسلم) كما يقول القرطبي في تفسير الآية 60 من سورة الأعراف.

قلت هذا المصطلح (الملأ) له خصوصية في الاستعمال القرآني حيث أنه يطلق على نوعية معينة من أشراف القوم وهم الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ممن جحدوا أو عندوا ظلما وعلوا.

سيأتي مزيد بيان إن شاء الله وقدر

لاحظ من هذا النقاش الذي دار بين الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ يعلم حال هذا الفريق من الناس الذين تتكلم عنهم الآية، وهو أنهم كانوا مسلمين يظهر منهم الإسلام كاملا وليس عليهم مأخذ سوى أنهم فقط لم يهاجروا.

الفتاوى 7/ 271، وانظر 7/ 279، 11/ 174

الفتاوى 7/ 271

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015