قال ابن القيّم: .. و إنّما غرَّه بربه الغَرور , و هو الشيطان , و نفسه الأمّارة بالسوء , و جهله و هواه. و أتى سبحانه بلفظ " الكريم " , و هو السيد العظيم المطاع الذي لا ينبغي الإغترار به و لا إهمال حقه.

(الذي خلقك فسواك فعدلك) أي: جعلك سويّا معتدل القامة منتصبها , في أحسن الهيئات و الأشكال.

(في أي صورة ما شاء ركبك) إن شاء بيضك أو سودك , طولك أو قصرك , جعلك ذكرا أو أنثى , إنسانا أو حيوانا , قردا أو خنزيرا , هل هناك من يصرفه عما أراد ذلك؟ و الجواب لا أحد. إذا كيف يسوغ لك الكفر به و عصيانه و الخروج عن طاعته.

(كلاّ بل تكذبون بالدين) كلاّ ما غركم كرم الله و لاحلمه , بل الذي جرأكم على الكفر و الظلم و الإجرام , تكذيب في قلوبكم بالمعاد و الجزاء و الحساب.

(و إن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون) و إن عليكم لملائكة حفظَة كراما يحفظون عليكم أعمالكم و يحصونها لكم و يكتبونها في صحائفكم. يعلمون ما تفعلون – و دخل في هذا أفعال القلوب , و أفعال الجوارح – في السر و العلن , فاللائق بكم أن تكرموهم و تجلوهم و تحترموهم.

(إن الأبرار لفي نعيم) قال ابن جرير: أي إن الذين برّوا بأداء فرائض الله , و اجتناب معاصيه , لفي نعيم الجنان ينعمون فيها.

(و إن الفجار لفي جحيم) إن الذين قصروا في حقوق الله و حقوق عباده , الذين فجرت قلوبهم , ففجر أعمالهم , لفي عذاب أليم في دار الدنيا و دار البرزخ و في دار القرار.

(يصلونها يوم الدين) يعذبون بها أشد العذاب و ذلك يوم الجزاء على الأعمال. قال القرطبي: يصيبهم حرها و لهيبها و هذا قطعا بعد دخولها.

(و ما هم عنها بغائبين) أي: لا يغيبون عن العذاب ساعة واحدة , و لا يخفف عنهم من عذابها , و لا يجابون إلى ما يسألون من الموت أو الراحة , و لو يوما واحدا.

(و ما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين) ففي هذا تهويل و تفخيم لأمر ذلك اليوم و تعظيم لشأنه.

(يوم لا تملك نفس لنفس شيئا و الأمر يومئذ لله) أي: لا يقدر أحد على نفع أحد و لا خَلاصه مما هو فيه , إلا أن يأذن الله لمن يشاء و يرضى. و نذكر ها هنا حديث: " يا بني هاشم , أنقذوا أنفسكم من النار , لا أملك لكم من الله شيئا " رواه مسلم. و لهذا قال " الأمر يومئذ لله " , كقوله " لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " , و كقوله " الملك يومئذ الحق للرحمن " , و كقوله " مالك يوم الدين ". قال الرازي: و هو وعيد عظيم , من حيث إنه عرّفهم أنه لا يغني عنهم إلا البر و الطاعة يومئذ , دون سائر ما كان قد يغني عنهم في الدنيا , من مال وولد و أعوان و شفعاء.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[29 - صلى الله عليه وسلمpr-2008, مساء 03:19]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة التكوير

و تسمى سورة " إذا الشمس كورت " و هي مكية و آيها تسع و عشرون.

قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " من سرّه أن ينظر إلى يوم القيامة كأنّه رأي عين فليقرأ " إذا الشّمس كورت " و " إذا السّماء انفطرت " و " إذا السماء انشقت " صححه الألباني

(إذا الشمس كورت) أي أُزيلت من مكانها , و ألقيت عن فلكها , و مُحي ضوؤها. قال ابن جرير: التكوير جمع الشيء بعضه إلى بعض , و منه تكوير العمامة و جمع الثياب بعضها إلى بعض , فمعنى قوله " كوّرت ": جمع بعضها إلى بعض , ثم لفت فرمى بها , و إذا فعل بها ذلك ذهب ضوؤها. قال صلى الله عليه و سلم: " الشمس و القمر يكوران يوم القيامة " رواه البخاري.

(و إذا النجوم انكدرت) أي تغيرت و تناثرت و تساقطت من أفلاكها على الأرض.

(و إذا الجبال سيّرت) أي زالت عن أماكنها و نُسفت من أثر الرجفة و الزلزال الذي قطع أوصالها.

(و إذا العشار عطّلت) أي تركت مهملة لا راعي لها و لا طالب , لما أصاب أهلها من الهول و الفزع. و العشار جمع عُشَراء و هي الناقة التي أتى على حملها عشرة أشهر ثم لا يزال إسمها كذلك حتى تضع , و خصها , لأنها أنفس أموال العرب إذ ذاك عندهم , على ما هو في معناها من كل نفيس.

(و إذا الوحوش حشرت) أي جمعت من كل جانب و اختلطت , لما دهم أوكارها و مكامنها من الزلزال و التخريب , فتخرج هائمة مذعورة من أثر زلزال الأرض و تقطع أوصالها.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015