(فليتنافس المتنافسون) أي: يتسابقوا في المبادرة إليه و الأعمال الموصلة إليه , فهذا أولى ما بذلت فيه نفائس الأنفاس , و أحرى ما تزاحمت للوصول إليه فحول الرجال.
(و مزاجه من تسنيم) أي إن ذلك الرحيق يمزج لأصحاب اليمين بماء تسمى التسنيم.
(عينا يشرب بها المقربون) هذا التسنيم يشربه المقربون صرفا أي خالصا بدون مزج , فهو أعلى أشربة الجنة على الإطلاق , لذلك كانت خالصة للمقربين , الذين هم أعلى الخلق منزلة , و ممزوجة بالرحيق و غيره من الأشربة اللذيذة لأصحاب اليمين.
(إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون , و إذا مروا بهم يتغامزون) يخبر تعالى عن المجرمين – الذين أجرموا على أنفسهم بالشرك و المعاصي – أنهم كانوا في الدنيا يسخرون بالمؤمنين و يستهزؤون بهم , و يضحكون منهم , و يتغامزون بهم عند مرورهم عليهم , احتقارا لهم و ازدراء , لأنهم آمنوا بالله وحده و بما أوحاه إلى رسوله صلوات الله عليه , و نبذوا ما أَلْفَوْا عليه آباءهم. قال السيوطي: و في هذا دلالة على تحريم السخرية بالمؤمنين , و الضحك منهم , و التغامز عليهم.
(و إذا انقلبوا إلى أهلهم إنقلبوا فاكهين) أي: رجع هؤلاء المجرمون إلى منازلهم , مسرورين مغتبطين , متلذذين بالسخرية و حكاية ما يعيبون به أهل الإيمان , أو ما هم فيه من الشرك و الطغيان و التنعم الدنيا. و هذا من أعظم ما يكون من الإغترار أنهم جمعوا بين الإساءة و الأمن في الدنيا , حتى كأنهم قد جاءهم كتاب من الله و عهد , أنهم من أهل السعادة , و قد حكموا لأنفسهم أنهم أهل الهدى , و أن المؤمنين ضالون , افتراء على الله , و تجروا على القول عليه بلا علم.
(و إذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون) أي: و إذا رأى أولئك المجرمون المؤمنين أشاروا إليهم و قالوا " إن هؤلاء لضالون " بتركهم دينهم و اعتناق دين محمد الجديد في نظرهم.
(و ما أرسلوا عليهم حافظين) أي: و ما أرسلوا وكلاء على المؤمنين ملزمين بحفظ أعمالهم , حتى يحرصوا على رميهم بالضلال , و ما هذا منهم إلا تعنت و عناد و تلاعب , ليس له مستند و لا برهان , و لهذا كان جزاؤهم في الآخرة من جنس عملهم.
(فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون) أي: يوم القيامة يضحكون حين يرونهم في غمرات العذاب يقلبون , و ضحكهم من الكفار ضحك المسرور بما نزل بعدوّه من الهوان و الصغار , بعد العزة و الكبر.
(على الأرائك ينظرون) على السرر المزينة ينظرون إلى ما أوتوا من النعيم , و ما حل بالمجرمين من عذاب الجحيم.
(هل ثوّب الكفار ما كانوا يفعلون) أي: هل جوزي الكفار على ما كانو يقابلون به المؤمنين من الإستهزاء و التنقيص أم لا؟ نعم قد جوزوا أوفر الجزاء و أتمه و أكمله.
و نظير هذه الآيات قوله تعالى " إخسئوا فيها و لا تكلمون , إنّه كان فريق من عبادي يقولون ربنّا آمنا فاغفر لنا و ارحمنا و أنت خير الراحمين , فاتخذتموهم سِخريا حتى أنسوكم ذِكري و كنتم منهم تضحكون , إني جزيتهم اليوم بما صبروا أنهم هم الفائزون ".
ـ[عبدالحي]ــــــــ[18 - صلى الله عليه وسلمpr-2008, مساء 04:10]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
تفسير سورة الإنفطار
مكية و آياتها تسع عشرة آية
(إذا السماء انفطرت) أي انشقت كما في آية " و يوم تشقّق السّماء بالغمام ".
(و إذا الكواكب انتثرت) أي انفضّت و تساقطت.
(و إذا البحار فجّرت) أي: اختلط ماؤها بعضه ببعض ملحها بعذبها لانكسار ذلك الحاجز الذي كان يفصلهما عن بعضهما لزلزلة الأرض إيذانا بخراب العالم.
(و إذا القبور بُعثرت) إنقلب باطنها ظاهرها و أخرج ما فيها من الأموات.
(علمت نفس ما قدّمت و أخرت) أي علمت كل نفس مكلفة ما قدمت من أعمال حسنة أو سيئة , و ما أخرت من أعمال لحقتها بعدها وذلك ما سنته من سنن الهدى أو سنن الضلالة. و هذا العلم يحصل للنفس أولا مجملا و ذلك عند ابيضاض الوجوه و اسودادها , و يحصل لها مفصلا عندما تقرأ كتاب أعمالها.
(يا أيّها الإنسان ما غرّك بربك الكريم) أي: أي شيء خدعك و جرّأك على الكفر بربك الكريم و عصيانه بالفسق عن أمره و الخروج عن طاعته. و هو القادر على مؤاخذتك و الضرب على يديك ساعة ما كفرت به أو عصيته.
¥