لِلتَعَزّي رِباعُهُم وَالتَأَسّي

فَلَها أَن أُعينَها بِدُموعٍ

موقَفاتٍ عَلى الصَبابَةِ حُبسِ

ذاكَ عِندي وَلَيسَت الدارُ داري

بِإِقتِرابٍ مِنها وَلا الجِنسُ جِنسي

2 - سينية شوقي\

وصل شوقي إلى بلاد الأندلس بعد رحلة طويلة مضنية في أرجاء البلاد عندما قرر الانجليز نفيه من مصر شاهد خلالها الأطلال والآثار المتهدمة من القصور والقلاع والجوامع، هيجت لديه الأحزان، وجددت به الآلام وهزت فيه الوجدان فأثارت مشاعره وشحذت أحاسيسه، وتجلت في خياله قصيدة البحتري، فانطلقت قيثارة شعره بسينيته معارضاً بها البحتري في خضم الظروف السيئة التي أحاطت به، وآثار الرحلة الشاقة التي زادت من تعاسته وعذابه النفسي، تطأ قدمه أرض الأندلس التي تضم أروع صور التاريخ الإسلامي وأزهرها وأشرقها، فأنشأ يقول:

اختلاف النهار والليل ينسي

اذكرا لي الصبا وأيام أنسي

وصفا لي ملاوة من شباب

صورت من تصورات ومس

عصفت كالصبا اللعوب ومرت

سنة حلوة ولذة خلس

وسلا مصر: هل سلا القلب عنها

أو أسا جرحه الزمان المؤسي

كلما مرت الليالي عليه

رق، والعهد في الليالي تقسي

مستطار إذا البواخر رنت

أول الليل، أو عوت بعد جرس

راهب في الضلوع للسفن فطن

كلما ثرن شاعهن بنقس

يا ابنة اليم، ما أبوك بخيل

ماله مولعاً بمنع وحبس

أحرام على بلابله الدوح

حلال للطير من كل جنس؟

كل دار أحق بالأهل إلا

في خبيث من المذاهب رجس

نفسي مرجل، وقلبي شراع

بهما في الدموع سيري وأرسي

واجعلي وجهك (الفنار) ومجراك

يد (الثغر) بين (رمل) و (مكس)

وطني لو شغلت بالخلد عنه

نازعتني إليه في الخلد نفسي

وهفا بالفؤاد في سلسبيل

ظمأ للسواد من (عين شمس)

شهد الله لم يغب عن جفوني

شخصه ساعة ولم يخل حسي

يا فؤادي لكل أمر قرار

فيه يبدو وينجلي بعد لبس

عقلت لجة الأمور عقولاً

طالت الحوت طول سبح وغس

غرقت حيث لا يصاح بطاف

أو غريق، ولا يصاخ لحس

فلك يكسف الشموس نهاراً

ويسوم البدور ليلة وكس

ومواقيت للأمور إذا ما

بلغتها الأمور صارت لعكس

دول كالرجال مرتهنات

بقيام من الجدود وتعس

وليال من كل ذات سوار

لطمت كل رب (روم) و (فرس)

سددت بالهلال قوساً وسلت

خنجراً ينفذان من كل ترس

حكمت في القرون (خوفو) و (دارا)

وعفت (وائلاً) وألوت (بعبس)

أين (مروان) في المشارق عرش

أموي وفي المغارب كرسي؟

سقمت شمسهم فرد عليها

نورها كل ثاقب الرأي نطس

ثم غابت وكل شمس سوى هاتيك

تبلى، وتنطوي تحت رمس

وعظ (البحتري) إيوان (كسرى)

شفتني القصور من (عبد شمس (رب ليل سريت والبرق طرفي

وبساط طويت والريح عنسي

أنظم الشرق في (الجزيرة) بالغرب

وأطوي البلاد حزناً لدهس

في ديار من الخلائف درس

ومنار من الطوائف طمس

وربى كالجنان في كنف الزيتون

خضر، وفي ذرا الكرم طلس

لم يرعني سوى ثرى قرطبي

لمست فيه عبرة الدهر خمسي

يا وقى الله ما أصبح منه

وسقى صفوت الحيا ما أمسي

قرية لا تعد في الأرض كانت

تمسك الأرض أن تميد وترسي

غشيت ساحل المحيط وغطت

لجة الروم من شراع وقلس

ركب الدهر خاطري في ثراها

فأتى ذلك الحمى بعد حدس

فتجلت لي القصور ومن فيها

من العز في منازل قعس

سنة من كرى وطيف أمان

وصحا القلب من ضلال وهجس

وإذا الدار ما بها من أنيس

وإذا القوم ما لهم من محس

ورقيق من البيوت عتيق

جاوز الألف غير مذموم حرس

أثر من (محمد) وتراث

صار (للروح) ذي الولاء الأمس

بلغ النجم ذروة وتناهى

بين (ثهلان) في الأساس و (قد)

مرمر تسبح النواظر فيه

ويطول المدى عليها فترسي

وسوار كأنها في استواء

ألفات الوزير في عرض طرس

فترة الدهر قد كست سطريها

ما اكتسى الهدب من فتور ونعس

ويحها! كم تزينت لعليم

واحد الدهر واستعدت لخمس

وكأن الرفيف في مسرح العين

ملاء مدنرات الدمقس

ومكان الكتاب يغريك رياً

ورده غائباً فتدنو للمس

صنعة (الداخل) المبارك في

الغرب وآل له ميامين شمس

من (لحمراء) جللت بغبار

الدهر كالجرح بين برء ونكس

كسنا البرق لو محا الضوء لحظاً

لمحتها العيون من طول قبس

حصن (غرناطة) ودار بني الأحمر

من غافل ويقظان ندس

جلل الثلج دونها رأس (شيرى)

فبدا منه في عصائب برس

سرمد شيبه، ولم أر شيئاً

قبله يرجى البقاء وينسي

مشت الحادثات في غرف (الحمراء (

مشي النعي في دار عرس

هتكت عزة الحجاب وفضت

سدة الباب من سمير وأنسي

عرصات تخلت الخيل عنها

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015