[9] وإن سمو أية ثقافة على غيرها، إنما يكون بما تزيد في إنسانيَّة الإنسان، وتُخْصِبُ من حياته، وتنير من بصيرته - لا بما تزيد في حيوانيته، وتُجْدِبُ من حياته، وتُطْفِئُ من بَصيرته!

[10] وإن نسبة أية حضارة إلى منتسبها، بحيث يقال: إسلامية، ومسيحية، إنما تكون بثقافتها التي هي جذر شجرتها، على حينِ المادياتُ فرعُها،وليس أصدقَ في تصوير الحضارة، من تشبيهها بالشجرة الحية؛ فلا حياة لماديات الحضارة إلا بمعنوياتها، ولا سُطوع لمعنوياتها إلا بمادياتها، كما لا حياة لفرع الشجرة الحية إلا بجذرها، ولا سُطوع لجذرها إلا بفرعها.

[11] وإن نسبة الأدب إلى الإسلام في " الأدب الإسلامي "، هي من نسبة الفن إليه في " الفن الإسلامي "، التي تجاري نسبة العلم إليه في " العلم الإسلامي "، وكلتا النسبتين من نسبة الحضارة إليه في " الحضارة الإسلامية "؛ فمن أبى نسبة الأدب، أبى نسبة الفن والعلم والحضارة، وأخفى رضاه عن عَوْلَمَةِ حضارة واحدة لم تسمح لغير أهلها إلا بالنَّقْصِ وإلا بالجَدْبِ وإلا بالعَمى.

ولأمرٍ ما قال بعض نقاد الحداثة: " على الرغم من أن للأيديولوجيا نسقًا مختلفًا عن الشعر والفن عامة، إلا أن بينهما من الارتباط ما لا يمكن إغفاله أو تجاوزه. ولاينهض ذلك من أن الشعر موقف جمالي من الواقع فحسب، بل ينهض أيضاً من أنه خطاب يتوسط بين المرسل والمتلقي اللذين لكل منهما موقعه ومنظوره، بمعنى أن الشعر بوصفه موقفًا وخطابًا جماليين، ينطوي بالضرورة على خطاب أيديولوجي ما. ومن ذلك، فإن الشعر يتحدد أيديولوجيًّا، مثلما يتحدد لغويًّا وذاتيًّا، غير أن تحديده الأيديولوجي لايؤدي به إلى أن يتحول إلى أيديولوجية. وإذا ما حصل ذلك، فإن انتفاء الشِّعْريِّ عن النص الذي من المفترض أن يكون شعريًّا، يغدو أمرًا محتومًا أو شبه محتوم " *.

* كليب (الدكتور سعد الدين): " وعي الحداثة: دراسات جمالية في الحداثة الشعرية "، نشرة موقع اتحاد الكتاب العرب الألكتروني.

أجل!

وهل شفع له قبلُ، حتى يشفع الآن!

لم يكن ليدَّعي في الإسلام، إلا كما يدعي في القوم من ليس منهم، ممَّن ربما كان مِنْ عدوِّهم!

" أَمّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، وَأَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ في الْأَرْضِ "، صدق الحق، سبحانه، وتعالى!

[12] هذان مثالان: خبرُ وفود أبي جندلٍ عُبيدِ بنِ حُصَيْنٍ الراعي النُّمَيْريِّ، على عبد الملك بن مروان، يمدحه ويشكو إليه جباة الزكاة - وخبرُ مُذاكرة عليِّ بن الجَهْم السابق ذكره، والبُحتريِّ في أشعار زمانهما.

أما راعي الإبل فقد وفد على أمير المؤمنين، بلاميته التي مطلعها:

" أَوَليَّ أَمْرِ اللهِ إِنّا مَعْشَرٌ حُنَفاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وَأَصيلا

عُرْبٌ نَرى لِلّهِ في أَمْوالِنا حَقَّ الزَّكاةِ مُنَزَّلًا تَنْزيلا

قَوْمٌ عَلى الْإِسْلامِ لَمّا يَمْنَعوا ماعونَهُمْ وَيُضَيِّعوا التَّهْليلا "

وكان يُعَقِّقُ من أولاده من لم يحفظها هي وداليَّته التي مطلعها:

" بانَ الْأَحبَّةُ بِالْعَهْدِ الَّذي عَهِدوا ... "

فقال له: ليس هذا شعرا، هذا شَرْحُ إسلامٍ، وقِراءةُ آيةٍ *!

* البغدادي: 3/ 146 - 147، والمرزباني (أبو عبيد الله محمد بن عمران): " الموشح: مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع من صناعة الشعر "، حققه محمد علي البجاوي، وطبعته دار الفكر العربي بالقاهرة، 210.

وأما علي والبحتري فقد أفاضا في أشعار المحدثين إلى أن ذكرا أَشْجَعَ السُّلَميَّ، فقال عليٌّ للبحتري: إنه يُخْلي. واضطره شعرُ السُّلَميِّ إلى أن يعيدها عليه مَرّاتٍ، ولم يفهمها!

قال البحتري: " وأنفتُ أن أسأله عن معناها، فلمّا انصرفتُ أَفْكَرْتُ في الكلمة، ونظرتُ في شعر أشجع، فإذا هو ربما مرت له الأبيات مَغْسولةً ليس فيها بيت رائع، وإذا هو يريد هذا بعينه، أَنَّه يعمل الأبيات، ولا تُصيب فيها بيتًا نادرًا، كما أن الرامي إذا رمى برَشْقِهِ، فلم يُصبْ فيه بشيء، قيل: أَخْلى " *.

ثم قال البحتري: " وكان علي بن الجهم عالما بالشعر " *.

* المرزباني: 362.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015