[4] من ثَمَّ لم يَكُنْ أَنْقَصَ عَقْلًا، ولا أَسْوَأَ أَدَبًا، مِنْ أن نترجم كلمة " Culture " الإنجليزية، بكلمة " ثقافة " العربية، بحيث لم يُسْتَغْرَبْ كما يقول بعض الباحثين، " إذا ما تَعاظَمَ إنتاجُ الفكر وبدأ غَرْسُ القِيَمِ الجديدة وحَصْدُ ثِمارِ النهضة، أن يطلق الإنسان الأوروبي لفظ " Culture " على هذه العملية. وأما عن دوره تجاه المجتمعات الأخرى فهو مفهوم يعبر عن عملية زرع القيم والأخلاق والمؤسسات الأوروبية، في المجتمعات الأخرى، تمهيدًا لحصاد هذه المجتمعات، سواءٌ عقولٌ مبدعة تهاجر إلى المجتمع الأوربي أو مواردُ اقتصادية تغذي عجلة اقتصاده " *.

* باحث مجهول: " الثقافة في الفكر الغربي "، نشرة موقع إسلام أون لاين الألكتروني.

أين دلالة الكلمة الإنجليزية على ضرورة إخضاع المثقف لغيره وضرورة خضوع غيره له جميعا معا، بما في أصلها اللاتيني من معالم الحَرْث والزرع - من دلالة الكلمة العربية على ضرورة تقدير المثقف لنفسه وضرورة تقديره لغيره جميعا معا، بما في أصلها العربي من معالم الفهم والحذق والفطنة والضبط والثبات والذكاء والتهذيب والتقويم والإدراك والظفر *!

* عارف (الدكتور نصر): " الثقافة مفهوم ذاتي متجدد "، نشرة موقع إسلام أون لاين الألكتروني.

[5] " أَيْنَ امْرؤُ القَيِْس والعَذارى إِذْ مالَ مِنْ تَحْتِهِ الْغَبيطُ

اسْتَنْبَطَ الْعُرْبُ في المَوامي بَعْدَكَ واسْتَعْرَبَ النَّبيطُ "

صدق أبو بصير المعري، وإن ألزم نفسه ما لم يكن يلزمها؛ فإنما العروبة استيلاء اللغة العربية على التفكير والكلام، لا على اللحوم والعظام؛ فرُبَّ قرشي عجمي، وعجمي قرشي!

[6] " أَيا جارَتا إِنّا أَديبانِ هاهُنا وَكُلُّ أَديبٍ لِلْأَديبِ نَسيبُ "

لكأني بي واقفا على امْرِئِ القَيْسِ مِنْ قَبْلِ أن ينتهى إلى مُخَلَّدِهِ، أُحَرِّفُ له بيتَه؛ فيعجبُه التَّحريف، ويُدْهِشُهُ مَجْمَعُ ما بيني وبينه على انفراط الدهور؛ فأُذَكِّرُهُ أَرْبعةَ الأعمالِ الكِبارِ التي نَظَمَ بها أَدَبَه، أَنَّني تمسكتُ بها أصولًا لغوية تفكيرية لا أَزيغُ عنها حياةً؛ فَدَفَقَتْهُ في أوردتي؛ فيستنكر الاستطالة عليه؛ فأفصِّلها له وكأنْ مجلسي بالجامعة قد انعَقَدَ، مُتَذَمِّمًا من انعكاس المقامين:

أولها الإبدال، وفيه يمر بمادة الكلام حتى يختار منها ما يلائمه،

وثانيها الترتيب، وفيه يصرِّف ما اختار حتى يضعه حيث يلائمه،

وثالثها الحذف، وفيه ينقص مما اختار، ما يستغني عنه،

وآخرها الإضافة، وفيه يزيد فيما اختار، ما لا يستغني عنه.

رائده في كل منها العَروض الذي طَرِبَ له أوَّلًا؛ فأقبل يُغَنّيه ومَعازِفُهُ مفرداتُ الكلام العربي المبين.

فيُقْسم بهواه - قاتله الله! - إنْ خطرت له تلك الأعمال ببال؛ فأقسم بربّي - سبحانه، وتعالى! - إلا تكن خَطَرَتْ له أسماءً، لقد خَطَرَ بها أفعالا؛ فيُطْرِقُ منشدا:

" بَكى صاحِبي لمّا رَأى الدَّرْبَ دونَهُ وَأَيْقَنَ أَنّا لاحِقانِ بِقَيْصَرا

فَقُلْتُ لَه لا تَبْكِ عَيْنُكَ إِنَّما نُحاوِلُ مُلْكًا أَوْ نَموتَ فَنُعْذَرا "،

نَدَمًا أَنْ لم يَنْتَجِبْ للرِّحْلة؛ فَانْقَطَعَ، وأنْ كانت إلى قَيْصَرٍ؛ فَاسْتَعْجَمَ!

[7] ولقد يتعلق في ثقافتنا العربية الإسلامية، الإسلامُ بالعروبة، حتى لَيجوز لمن شاء الكمالَ، أن يدَّعي أَلّا إسلامَ إلا بعروبة، وأَلّا عروبةَ إلا بإسلام؛ فباللغة العربية المبينة كان الكتاب وكانت السنة اللذان هما وطن عقيدة الإسلام، وفَهِمَ وأَفْهَمَ غيرَهم العربُ الذين هم حَمَلة عقيدة الإسلام، وبالإسلام كانت العلوم وكانت الفنون التي أشعلت في رأس جبل المجد نار اللغة العربية، وتَعلَّم وعَلَّم غيرَهم اللغويون الذين هم حَمَلَةُ اللغة العربية.

[8] وإن الثقافة الإسلامية، لؤلؤة ضخمة، رملة قلبها العقيدة البينة بالكتاب والسنة، وصَخْرَةُ جسمِها العلومُ والمعارف والخبرات والأقوال والأفعال والإقرارات، التي انبنت لمعتقد هذه العقيدة، بمعالجته النظر في نفسه وفيما حوله.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015