ولما لم يجد ابراهيم اليازجي مجالاً لأفكاره وآرائه الحرة في لبنان، تركه وتوجه إلى مصر حيث الآداب العربية وحرية الأقلام تنشد كاتباً مثله. وفي عام 1897 أصدر بالاشتراك مع الدكتور بشارة زلزل مجلة (البيان) وأعد لها الآلات اللازمة وكل احياجاتها مماجعله يسافر الى أوروبا، فجاءت المجلة والمطبعة مثالاً للإتقان، وما لبثت المجلة أن احتجبت وافترق الشريكان. وهذا ديدن الثقافة والعلم في البلاد العربية
وفي سنة 1898 استقل الشيخ إبراهيم بإنشاء مجلة (الضياء) التي اشتهرت بفصاحة العبارة ومتانة الأسلوب، وبقي يصدرها مدة ثمانية أعوام حتى حال الداء دونه ودون متابعة الكتابة .. فمرض في القاهرة
. وفاضت روحه في القاهرة في مصر سنة 1906 ونقل رفاته إلى بيروت وأودع جدث الرحمة في محلة الزيتونة في مقبرة الروم الكاثوليك.
خدم اليازجي العربية باصطناع حروف الطباعة فيها ببيروت وكانت الحروف المستعملة حروف المغرب والأستانة، وانتقى كثيراً من الكلمات العربية لتسمية المخترعات. الجديدة
بجانب الأبحاث والمقالات العلمية التي كتبها في المجلات و بخاصة مجلته (الضياء)،
انتشرت شهرته واسعة في طول البلاد وعرضها، واتصلت شهرته ببلاد الغرب فمنحه الملك أوسكار ملك أسوج ونروج وسام العلوم والفنون، وعُين عضواً في الجمعية الفلكية في باريس وأنفرس والسلفادور، وله مباحثات شهيرة مع الفلكي الفرنسي المشهور فلاماريون، وطُبع ماعرضه على الجمعية الفلكية في باريس في مجلة أعمالها وفي مجلة (الكوزمس) الشهيرة.
قال الشيخ مصطفى لطفي المنفلوطي في إبراهيم اليازجي: (هو أكبر عالم لغوي في العصر الحاضر واتفق له مالا يتيسر إلا القليل من اللغويين من قوة البيان وبراعة الإنشاء، فهو فخر سوريا خاصة والعرب عامة، ولو أن الله أبقاه للغة العربية لنالت فوق ما نالت على يده خيراً كثيراً).
قدرت الجالية اللبنانية والسورية في البرازيل مكانة و قدر الشيخ إبراهيم اليازجي، فأقرت أن تجمع مبلغاً من المال تبذله في سبيل إقامة تمثال من البرونز له في بيروت، فأتم ما ارتأت عام 1924، ورأت بلدية بيروت أن خير مكان لإقامة ذلك النصب هو الطريق التي كان يسلكها الشيخ في حياته، الطريق المؤدية من منطقة البرج إلى الكلية البطريركية حيث كان يعلم.
وفي سنة 1956 نقل تمثاله إلى قصر اليونسكو في بيروت بحفلة اشتركت فيها الحكومة اللبنانية وجمهرة من كبار الأدباء والشعراء تخليداً لذكراه وأدبه وعلمه. ومن اثاره في اللغة والاب والشعر مايلي
ـ كتب مقالات رائعة وبحوث مفيدة في جريدة النجاح، ومجلات الطبيب، و البيان، و الضياء.
ـ ومن مؤلفاته
1 - (العرف الطيب في شرح ديوان أبي الطيب)، كان قد بدأ والده به، فأتمه اليازجي.
2 - ـ اختصر كتابي والده (نار القرى في شرح جوف الفرا) في النحو، (الجمانة في شرح الخزانة) في الصرف.
3ـ اختصر كتاب (الجوهر الفرد) وشرحه بكتاب سماه (مطالع السعد لمطالع الجوهر الفرد).
4ـ له تنقيح الكتاب المقدس للآباء اليسوعيين.
5ـ تنقيح (تاريخ بابل وآشور) لجميل نخلة المدور.
6ـ تنقيح (كتاب عقود الدرر في شرح شواهد المختصر) لشاهين عطية.
7ـ تنقيح (دليل الهائم في صناعة الناثر والناظم) جمعه شاكر البتلوني وبوبه بأسلوب مدرسي.
8ـ تنقيح (نفح الأزهار في منتخبات الأشعار) جمعه شاكر البتلوني بإرشاده.
9ـ ألف كتاب (نجعة الرائد وشرعة الوارد في المترادف والمتوارد) في ألفاظ اللغة العربية وتراكيبها.
10ـ ألف كتاب (الفرائد الحسان من قلائد اللسان) لا يزال مخطوطاً.
11ـ ديوان شعر أسماه (العقد) بعض رسائله المكتوبة بخطه الفارسي الجميل معظمها محفور على الزنك وبعضها بحروف مطبعية.
12ـ له كتاب (شرح المقامة البدوية) من كتاب مجمع البحرين.
13ـ كتاب (تنبيهات اليازجي على محيط البستاني).
14ـ كتاب (تنبيهات على لغة الجرائد).
ومن قصائده الرائعة نختار هذه القصيدة التي تعتبر من روائع الشعر العربي
تَنَبَّهُوا وَاسْتَفِيقُوا أيُّهَا العَرَبُ
فقد طَمَى الخَطْبُ حَتَّى غَاصَتِ الرُّكَبُ
فِيمَ التَّعَلُّلُ بِالآمَال تَخْدَعُكُم
وَأَنْتُمُ بَيْنَ رَاحَاتِ القََنَا سُلبُ
اللهُ أَكْبَرُ مَا هَذَا المَنَامُ فَقَدْ
شَكَاكُمُ المَهْدُ وَاشْتَاقَتْكُمُ التُّرَبُ
كَمْ تُظْلَمُونَ وَلَسْتُمْ تَشْتَكُونَ وَكَمْ
¥