وهل أتاكَ نَبأُ الباحثينَ من العلماءِ المُعاصرين وكيفَ أثبَتُوا بالطرقِ الحديثَةِ وُجودَ لُغةٍ يَتخاطَبُ بها النمل!؛ وأن النّمْلَةَ تستطيعُ حملَ عشرينَ ضِعفِ وزْنها؛ وأنها تستطيعُ القِتالَ والدفاعَ عن نَفْسِها كما تَستَطيعُ الأكل ومَضْغَ الطعام!؛ وأن لها دَماغاً ذا قدرةٍ عاليةٍ على التفكير؛ وقد زُوِّدتْ بالقدرةِ على إفرازٍ مواد كيميائيةٍ مِنها ما تَسْتَعْمِلُهُ لِتطهيرِ اليرقاتِ والبيوض؛ ومنها ما تَقْتُلُ به خُصومَها!!؛ وتستَطيعُ إفرازَ حمضِ النَّمْليك ( acidformic) وهو مادَّةُ مُخدِّرةٌ للخصم أيضاً!.

ومن عجائِبِهَا أَنها تشقُّ الحبةَ من القَمْحِ قِطْعَتَيْنِ؛ لئلا تُنْبِتَ، وتَشُقُّ الحبةَ مِنَ الكُزْبَرَةِ أَربعَ قِطَعٍ؛ لأنَّها إذا قُطِعَتْ قِطْعَتَيْنِ أَنْبَتَتْ!!.

أما ما يقومُ به من هندسة لبِناءِ مُسْتعْمراتِه؛ ونظامِ السيْرِ والمُرورِ فيها؛ والدفاعِ عنها؛ وما يَضطلعُ به من تربيةِ صغارهِ والعنايَةِ بهم والشفقةِ عليهم فأمْرٌ يَفوقُ الوصف!.

أثبَتُوا أيضاً أنها أمم تَحتَرفُ القتالَ بمهارَةٍ وكفاءَةٍ عاليتَين!؛ وأن لديها (استراتيجياتٍ) في القتالِ تفوقُ بها عالمَ البَشَر!؛ نعم!؛ ورصَدَت أجهزَةُ تسجيلٍ حساسَةٌ أصواتاً تصدرُ عن معاركهم كتلكَ التي تُسمعُ في المعاركِ بينَ بني البَشر!!.

ومن وراءِ هذا كله أنه عالمٌ قد اجْتَمعَ في الخيرُ والشر! ِ؛ فالحسد والخِداعُ والغشُّ فيهم كما هوَ في بَنِي البَشَر!.

وفي كلِّ هذا رّدٌّ على ما زَعَمَهُ النَّمساوِيُّ المُهتَدي ( L.weiss) أو محمد أسد بعدَ إسلامهِ من أنَّ (قصةَ سليمانَ مع النملةِ وفَهْمَهُ عليه السلام لما قالَتْهُ لزميلاتها من جماعةِ النَّمل بأنّها قصّةٌ خرافية قُصِدَ بها الإشارة إلى إِعْجَابِ سُلَيْمانَ بِعَالَمِ الطبيعَةِ وفَهْمِهِ لَهُ وعَطْفِهِ على أَحْقَرِ مَخْلُوقاتِ الله شَأْناً)!!.

والخلاصةُ أن مُجْتَمَعَ النملِ نُسْخَةٌ عن المُجْتَمَعَاتِ البَشريةِ والأمَمِ الإنسانية!.

هذا الذي تَوصلَ إليهِ الباحِثُونَ مُهمٌّ ولا رَيبَ!؛ وأهمُّ من هذا كُلِّهِ مَعْرِفَةُ السنَنِ القدَريةِ الكَوْنيّةِ التي قامَ عليها نِظامُ الكونِ والحياةِ؛ فهيَ تَحْكُمُ أمّةَ البَشَرِ كما تَحْكُمُ غيرَها من الأُمَم!؛ ويَشتَركُ الجَميعُ فيها كما أن البَشَرَ يُشارِكُونَ ِغيرَهم من الأمَمِ المَخْلوقَةِ في أسْبابِ البقاءِ والحياةِ وتَعاطِيها.

وإنما قُلتُ ذلك؛ لأَنَّه مِنَ الضروريٌّ أن تَعْلمَ أن كلّ دَعْوَةٍ تَصادِمُ قانُونَ الحياةِ وتَخْرِقُ السنَّةَ الكَونِيَّةَ القدرية فقدْ حَكَمَتْ على نَفْسِها بالفشلِ والفناءِ قبلَ أن تُولد!.

وأخْرى لا بُدّ مِنْها: أن جَميعَ أوامِرِ الشرعِ وتَكاليفِهِ قد جاءَتْ مُوافِقَةً للسنَنِ الكونِيّةِ القدريةِ؛ لا تُخالِفُها بِوَجْهٍ ولا تَخْرُجُ عنها بحال، وحَيثُ وُجِدَ التعارُضُ في الظاهِرِ بينَهما فهو راجِعٌ إما إلى اعِتِبارِ ما ليسَ من الشرعِ شرْعاً؛ أو إلى الخطأِ في الكشفِ عن السُّنَّةِ الكونِيّةِ.

وللعُلَماءِ في هذا البابِ أقْوالٌ كثيرَةٌ؛ ولولا بُعْدي عن المراجِعِ حينَ كتابَةِ هذه المُسامَرةِ لنَقلتُ منها؛ والذي بينَ يديَّ منها الآن قولُ العلاّمَةِ الأديبِ داودَ بِنِ عُمَرَ الأنطاكِيِّ المُتَوَفّى سنةَ (1008) في (تَزْيينِ الأسواقِ بِتَفْصيلِ أشواقِ العُشاق): جاء النامُوسُ الشرعيُّ بِمُطابَقَةِ القانُونِ الحِكَمِيِّ؛ كما هُو شأن الشارِعِ في غيرِ هذا أيضاً؛ لِيَكُونَ التطابُقُ بينَ الحِكْمَةِ والشرعِ في كلِّ شيءٍ؛ ولا عِبْرَةَ بِكَلامِ بَعْضِ الأغْبِياء!!. انتهى

وإنما مَنَلُهُما معاً مَثَلُ القاطِرَةِ لا تَسيرُ إلى بالوَقُودِ الدافعِ وقُضْبانِ سِكّةِ الحديد؛ فالوَقودُ مثلُ الشرعِ والقضبانُ مثلُ السُّنَن؛ ولا تَسيرُ القاطِرَةُ إلا بِهِما!، فاعْقدْ على هذه الخناصر.

نَمْلَةُ سُلَيْمان:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015