والحاصل أن حسان بن ثابت أعرض عن كل ما عرفته الحياة الجاهلية من الأغراض الشخصية من مدح للتكسب، وهجو للتفاخر، وغزل للتسلي، وخمر للتناشي، ليخرج بشعره من بين جدران الذاتية التي يكون فيها الشعر للشعر، ليخضع شعره لخدمة الدين، لا شيء له فيه إلا ابتغاء الأجر عند الله وتقربا من رسول الله e.
قيمة شعر حسان بن ثابت:
شعر حسان بن ثابت طبع مندفع، وقريحة هائجة. ومن جوانب قيمة شعره:
1 - القيمة الفنية: نلمس في كلام حسان أثرا للدين الجديد بما يستعمله من تناص واقتباس من القرآن والحديث، وذلك ظاهر في المعاني الجديدة من ارتياح إلى المصير، وتفصيل بعض العقائد والشعائر من توحيد وتنزيه وثواب وعقاب، وذلك ظاهر أيضا في الألفاظ التي أعطاها الإسلام إيحاء جديدا، ونثرها حسان في شعره. ولقد حق بعد ذلك أن يقال أن حسان بن ثابت هو مؤسس الشعر الديني في الإسلام. وحسان شاعر شديد التأثر، قوي العاطفة، يفوته التأني، ولهذا ترى شعره يتدفع تدفعا، متتبعا في ذلك الطبع والفطرة لا الصنعة والتعمل. ومن ثم تلقى شعره خاليا من كل ما يتطلب النظر الهادئ المتفحص، فمَطَالِعُه مقتضبة اقتضابا شديدا، يسرع في الانتقال منها إلى موضوعه الذي تحتدم به نفسه، وانتقاله غير بارع عادة. ثم إن كلامه يخلو من الترتيب والتساوق لما في عاطفته في فوران. وهذا الفوران نفسه يحول دون التنقيح. مما نتج عن اللين الذي شهد به الأصمعي وتابعه عليه نقاد الشعر.
2 - القيمة التاريخية: لشعر حسان، فضلا عن القيمة الفنية، قيمة تاريخية كبرى، فهو مصدر من مصادر تاريخ تلك الأيام، وليس غريبا تسجيل شعر لأيام الجاهلية ومآتي الغساسنة، إلى جانب أحداث الفجر الإسلامي بعد إسلامه، على عادة الشعراء في جعل شعرهم سجلا تاريخيا، فشعر حسان يطلعنا على أخبار محمد e في غاراته وغزواته وفتح مكة، كما يطلعنا على أسماء الصحابة وأعداء الإسلام، حتى أصبح وثيقة معتمدة عند مدوني السيرة ورواة الحديث، وهكذا كان حسان بن ثابت شاعرا ومؤرخا كما كان شعره فاتحة للشعر السياسي الذي ازدهر في عهد بني أمية.
3 - بناء القصيدة:
حسان شاعر تلقى أصالة الشعر في جاهليته، وعليه فمن البديهي أن يأتي بناؤه للقصيدة على شاكلة كل قصائد الجاهليين، ويلاحظ أيضا أن قصائد حسان خلت في كثير من الأحيان من التصدير بالأغراض الموطئة "نتيجة مواقف تعرض فيها لاستثارات شعورية، وجد نفسه فيها مضطراً للرّد الفوري لينفس عن مشاعره المتوترة، أو عن انفعالات نفسه الثائرة، التي لم تتح له فرصة التمهيد لتجربته بمقدمة طللية، أو غزلية، أو سوى ذلك" [9] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn9) لكنها لم تخل منها في أحيان أخرى، وإن ثار حسان في قصيدته الإسلامية على أغراض الطلل وذكرى الحبيب، لكن تقاليد الشعر ظلت تستعبده. فاسمع:
هل رسم دارسة المقام يبابِ متكلّمٌ لمحاور بجواب
فدع الديار وذِكْر كلِّ خريدة بيضاء آنسة الحديث كعاب
واشكُ الهموم إلى الإله وما ترى من معشر متألبين غضاب
ويقول في أخرى
عرفت ديار زينب بالكثيب كخط الوحي في الورق القشيب
فدع عنك التذكر كل يوم ورد حزازة الصدر الكئيب
وخبّر بالذي لا عيب فيه بصدق غير إخبار الكذوب
وها هي قصيدته المشهورة التي فيها:
هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء
أتهجوه ولست له بكفء فشرّكما لخيركما الفداء
فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم فداء
يصدرها بقوله: عفت ذات الأصابع فالجواء إلى عذراء منزلها خلاء
ديار من بني الحسحاس قفر تعفّيها الروامس والسماء
فدع هذا ولكن من لطيف يؤرّقني إذا ذهب العشاء
ورثى عثمان بن عفان قائلا:
ياللرجال لدمع هاج بالسنن إني عجبت لمن يبكي على الدمن
إني رأيت أمين الله مضطهدا عثمان رهنا لدى الأجداث والكفن
- خاتمة: غدت المادة الشعرية الحسانية في الإسلام، رمزا للأدب الإسلامي، ومعلمة من معالمه، بل إنها ظلت الحجر الأساس له، وتجاوزا لإشكالية ضعف شعر حسان، فإنه ظل يصور مرحلة من مراحل الشعر، ويحدد معالمه وملامحه تحديدا بينا، تغلب على سماته سلطوية الإسلام الذي انشغلت به الأذهان والأفكار وقته. وفيما رأيت مقاربة لبعض زوايا شعر حسان الإسلامي، الذي طرح للحوار والنقاش في مادة الأدب في المشرق الإسلامي. والله أعلم
- بعض المصادر والمراجع:
¥