وفيها: سَأَلتْ حَسانَ مَنْ أخْوالُه إنما يَسأَلُ بِالشيء الغُمر

وفيها: منهمُ أَصْلي فَمن يَفْخَرْ بِه يَعْرِفِ النّاسُ بفَخْرِ المُفْتَخِر

3. حسان شاعر اللهو: كان حسان بن ثابت مبتلىً بشرب الخمر والاستمتاع بالغناء، والتغزل بالنساء، وما يتبعه من لهو وعبث، قبل دخوله الإسلام. وله في الخمر أوصاف شهيرة تأتي خصوصا في مدائحه لملوك غسان، كما له غزل، وشعره هذا غير مستقل يختلط عادة بالفخر والمدح. وغزله تقليدي في معانيه وصوره.

فمن خمرياته: وَمُمْسِكٌ بِصداعِ الرأس مِن سُكُر نَادَيْتُه وهْوَ مغلُوبٌ ففَدّاني

وفيها: فاشْربْ من الخمر ما آتاك مَشْرَبُه وَاعلم بِأن كل عيش صالح فاني

ومن تغزله بليلى: لقد هاج نفسَكَ أشجانُها وَعَاودَها اليوم أدْيانها

تذكرتُ ليلى وأنِّي لها إذا قُطِّعت منكِ أقرانها

4. حسان شاعر الإسلام: نصب حسان نفسه للدفاع عن الدين الإسلامي، والرد على أنصار الجاهلية، وقد نشبت بين الفريقين معارك لسانية حامية، فكان الشعر شعر نضال يهجى فيه الأعداء، ويمدح فيه رجال الفريق، ولم يكن المدح ولا الهجاء للتكسب أو الاستجداء، بل للدفاع عن الرسول الكريم e ودينه. وهذا ينقسم لقسمين:

أما المدح الذي نجده في شعر حسان لهذا العهد فهو مقصور على النبي e وخلفاءه وكبار الصحابة، والذين أبلوا في الدفاع عن الإسلام بلاء حسنا ووصف وقائعهم وغزواتهم، فوصف غزوة بدر وأحد ومؤتة وبني قريظة وغيرها من المشاهد، وصورها وأحسن تصويرها. ومدحه يختلف عن المدح التكسبي بصدوفه عن التقلب على معاني العطاء والجود، والانطواء على وصف الخصال الحميدة ورسالة محمد e، وما إلى ذلك مما ينبثق من العاطفة الحقة والعقيدة النفسية، قال حسان:

نبي أتانا بعد يأس وفترة من الرسل والأوثانُ في الأرض تعبدُ

فأمسى سراجا مستنيرا وهاديا يلوح كما لاح الصقيلُ المهند

وأنذرنا نارا وبشر جنة وعلمنا الإسلام، فالله نحمد

وأنت إله الخلق ربي وخالقي بذلك ما عمرت في الناس أشهد

ويلحق بهذا المدح رثاء محمد e، فقد ضمنه الشاعر لوعة وذرف دموعا حارة صادقة، وتذكرا لأفضال رسول الدين الجديد، فله رثاء كثير منها قصيدته المعروفة:

بِطَيبةَ رسمٌ للرَّسول ومعهدُ مُنيرٌ وقد تعفو الرُّسوم وتَهْمِدُ

بها حُجُراتٌ كان يَنزل وسطَها من الله نور يستضاء ويُوقُد

ظللت بها أبكي الرسول فأسعدَتْ عيونٌ وَمِثْلاَها من الجفن تُسعد

أطالت وقوفا تذرف العين جهدها على طلل القبر الذي فيه أحمد

فبوركت يا قبر الرسول وبوركت بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد

وأما الهجاء النضالي: فقد وجهه إلى القرشيين الذين قاموا في وجه الدين الجديد يحاربونه ويهجون محمدا e. وكان موقف الشاعر تجاههم حربا لما بينهم وبين محمد من نسب. أما أسلوبه في هجائه فقد كان يعمد إلى الواحد منهم فيفصله عن الدوحة القرشية، ويجعله فيهم طائرا غريبا يلجأ إليها كعبد، ثم يذكر نسبه لأمه فيطعن به طعنا شنيعا، ثم يسدد سهامه في أخلاق الرجل وعرضه فيمزقها تمزيقا في إقذاع شديد، ويخرج ذلك الرجل موطنا للجهل والبخل والجبن، والفرار عن إنقاذ الأحبة من وهدة الموت في المعارك. قال حسان هاجبا بني سهم بن عمرو:

واللهِ ما في قُريشٍ كُلِّها نَفرٌ أكثر شيخا جبانا فاحشا غُمُرا

هُذرٌ مشائيم محروم ثويهم إذا تروّح منهم زوَّدَ القَمَرا

ما بال أمِّك زَاغَتْ عِندَ ذي شَرفٍ إلى جُذَيمة لما عفّت الأثرا

ظلّت ثلاثا وملحان [7] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn7) معانقها عند الحَجون فما ملاّ وما فترا

لولا النبي، وقول الحق مغضبة لما تركت لكم أنثى ولا ذكرا

ويهجو الحارث بن كعب المجاشعي:

حَارِ [8] ( http://majles.alukah.net/newthread.php?do=newthread&f=23#_ftn8) بن كعب ألا الأحلام تزجركم عنا وأنتم من الجوف الجماخير

لا بأس بالقوم من طول ومن عظم جسم البغال وأحلام العصافير

ويقول في مقطوعة يعير قريشا فيها بهزيمتها يوم بدر:

فينا الرسول وفينا الحق نتبعه حتى الممات ونصر غير محدود

مستعصمين بحبل غير منجذم مستحكم من حبال الله ممدود

ثم هاهو يصف غزوة بني قريظة قائلا:

لقد لقيت قريظة ما سآها وما وجدت لذلك من نصير

أصابهم بلاء كان فيهم سوى ما قد أصاب بني النضير

غداة أتاهم يهوي إليهم رسول الله كالقمر المنير

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015