(إنه كان في أهله مسرورا) لا يخاف الله و لا يرجو الدار الآخرة يعمل ما يشاء و يترك ما يشاء , لا يفكر في العواقب. منعما مستريحا من التفكر في الحق و الدعاء إليه و الصبر عليه. لا يهمه إلا أجوفاه , بطراً بالنعم , ناسيا لمولاه.

(إنّه ظنّ أن لا يحور) أي لن يرجع إلى ربه , أو إلى الحياة بالبعث , لاعتقاده أنه يحيى و يموت و لا يهلكه إلا الدهر. فلم يكُ يرجو ثوابا و لا يخشى عقابا و لا يُبالي ما ركب من المآثم , على خلاف ما قيل عن المؤمنين " إنّا كنّا قبل في أهلنا مشفقين " " إنّي ظننت أنّي ملاق حسابيه ".

(بلى) أي ليحورن و ليرجعن إلى ربه حيّا كما كان قبل مماته , و يجازيه على أعماله خيرها و شرها.

(إنّ ربه كان به بصيرا) أي عليما خبيرا , لا يخفى عليه من أمره شيء , و نتيجة لذلك تمّ له هذا الحساب و العقاب.

(فلا أقسم بالشّفق) قال ابن جرير: " أقسم الله بالنهار مدبرا , و بالليل مقبلا ". و الشفق هو الحمرة من غروب الشمس إلى وقت العشاء الآخرة , قال صلى الله عليه و سلم: " وقت المغرب مالم يغب الشفق ". رواه مسلم.

(و الليل و ما وسق) أي و ما جمع من كل ذي روح من سابح في ماء و طائر في السماء و سارح في الغبراء , لأنه إذا كان الليل ذهب كل شيء إلى مأواه.

(و القمر إذا اتسق) أي اجتمع و تم نوره و صار كاملا و ذلك في الليالي البيض.

و جواب القسم قوله تعالى (لتركبنّ طبقا عن طبق) أي حالا بعد حال الموت الحياة , ثم العرض ثم الحساب , ثم الجزاء فهي أحوال و أهوال فليس الأمر كما تتصورون من أنه موت و لا غير.

(فما لهم لا يؤمنون) أي ما للناس لا يؤمنون , أي شيء منعهم من الإيمان بالله و رسوله و الدار الآخرة مع كثرة الآيات و قوة الحجج و سطوع البراهين.

(و إذا قرئ عليهم القرآن لا يسجدون) أي: لا يخضعون للقرآن , و لا ينقادون لأوامره و نواهيه.

(بل الذين كفروا يكذبون) أي: يعاندون الحق بعدما تبين , فلا يستغرب عدم إيمانهم و عدم انقيادهم للقرآن , فإن المكذب بالحق عنادا , لا حيلة فيه. قال الإمام: لا تظن أن قرع القرآن لم يكسر أغلاق قلوبهم , و لم يبلغ صوته أعماق ضمائرهم , بلى , قد أبلغ و أقنع فيما بلغ , و لكن العناد هو الذي يمنعهم عن الإيمان , و يصدهم عن الإذعان , فليس منشأ التكذيب قصور الدليل. و إنما هو تقصير المستدل و إعراضه عن هدايته.

(و الله أعلم بما يوعون) أي: بما يسرون في صدورهم من حقية التنزيل , و إن أخفوه عنادا , أو بما يضمرون من البغي و المكر , فسيجزيهم عليه و لذا قال (فبشرهم بعذاب أليم) أي: فأخبرهم – يا محمد – بأن الله عز و جل قد أعد لهم عذابا أليما جزاء على تكذيبهم و إعراضهم و بغيهم.

و سميت البشارة بشارة , لأنها تؤثر في البشرة سرورا أو غما.

(إلا الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون) هذا استثناء منقطع , يعني: لكن الذين آمنوا بقلوبهم , و عملوا الصالحات بجوارحهم لهم أجر في الدار الآخرة غير منقوص و لا مقطوع , بل هو أجر دائم مما لا عين رأت , و لا أذن سمعت , و لا خطر على قلب بشر.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[08 - صلى الله عليه وسلمpr-2008, مساء 10:27]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

تفسير سورة المطففين

مدنية الأوائل مكية الأواخر و آياتها ست و ثلاثون آية

قال ابن عباس: " لما قدم نبي الله صلى الله عليه و سلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا , فأنزل الله " و يل للمطففين " , فحسَّنوا الكيل بعد ذلك " صححه الألباني.

و قال أحد الأنصار رضي الله عنه: كُنَّا أسوأ الناس كيلا , حتى إنه ليكون لأحدنا مكيالان مكيال يشتري به و آخر يبيع به و ما إن نزلت فينا ويل للمطففين حتى أصبحنا أحسن كيلا ووزنا. قال الفرّاء: فهم من أوفى الناس كيلا إلى يومهم هذا.

(ويل للمطففين) يتوعد الله تعالى المطففين بالخسار و الهلاك. و التطفيف ها هنا: هو البَخْس في المكيال و الميزان , إما بالإزدياد إن اقتضى من الناس , و إما بالنقصان إن قضاهم.

(إذا اكتالوا على الناس يستوفون) إذا اشتروا من الناس يأخذون كيلهم وافيا و زائدا , على إيهام أن بذلك تمام الكيل. و إذا فعلوا ذلك في الكيل الذي هو أجلّ مقدارا , ففي الوزن بطريق الأولى.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015