ـ[ضيدان بن عبد الرحمن اليامي]ــــــــ[24 - صلى الله عليه وسلمug-2010, صباحاً 10:06]ـ
الخوف عائق للنجاح .. يجعل الإنسان يرضى بالنقص وهو قادر على التمام والعطاء والنفع ..
وصدق ابن الجوزي – رحمه الله – في قوله في صيد الخاطر، فصل: التطلع إلى الأفضل:
«من أعمل فكره الصافي دله على طلب أشرف المقامات، ونهاه عن الرضى بالنقص في كل حال.
وقد قال أبو الطيب المتنبي:
ولم أر في عيوب الناس عيباً ... كنقص القادرين على التمام
فينبغي للعاقل أن ينتهي إلى غاية ما يمكنه، فلو كان يتصور للآدمي صعود السموات لرأيت من أقبح النقائص رضاه بالأرض» أهـ.
كنت وأنا طالب في الكلية في السنة الثانية، قد توليت إمامة الناس في أحد جوامع مدينة الرياض، نيابة عن أحد الدعاة والمشايخ، فكنت أصلي بالناس الفروض فقط، وكان خطيب الجمعة هو ذاك الشيخ الداعية الوقور – حفظه الله –.
ولم يكن يخطر لي على بال في يوم من الأيام أن أتولى الخطابة في الناس، ولم أحدث نفسي بذلك أبدا، ليس لعدم القدرة على ذلك، وإنما توحي لي النفس بالخوف من أن أضع نفسي في هذا الموقف، والذي أظن أنني لا يمكن أن أقدر عليه، مع وجود القدرة عليه!! ..
وشاء الله أن يكتب لي ذلك، ففي أحد الأيام وكان ذلك قريباً من موسم الحج، وكانت المؤسسات الدينية تجند المشايخ والدعاة للذهاب إلى الحج من بداية شهر ذي العقدة، والبعض منهم من منتصف الشهر، وذلك لدعوة الناس وتعليمهم أمور دينهم، وكان ممن يختار لذلك من الدعاة والمشايخ، شيخنا خطيب الجامع – حفظه الله -.
ففي ذات صباح مشرق أذكره ولا أنساه أبداً، وكان يوم الثلاثاء الساعة التاسعة صباحاً من أول غرة شهر ذي القعدة، إذا بجرس الهاتف يدق، فرددت عليه فإذا هو صوت شيخنا خطيب الجامع، وإذا به يقول لي على عجل من أمره: أنا الآن في مكة خرجت مع المشايخ والدعاة ولا أستطيع أن أخطب بالناس الجمعة القادمة ولا التي بعدها، ولم أجد من أنيبه على الخطابة سوى أنت، وأنت أهل لذلك، فتول الأمر جزاك الله خيراً، وسوف يكون ببينا اتصال بعد ذلك، ثم سلم , اغلق سماعة الهاتف.
لم أشعر عند سماعي لهذا الكلام بأي شيء يمكن أن خاف منه، سوى أنني سوف أخطب بالناس، وهذا أمر عظيم في حياتي لم يكن لي على بال، ولم أكن أتصور أنني في يوم من الأيام سوف أتولى ذلك.
قمت من الحماس والنشاط وإثبات النفس على القدرة على الخطابة وتولي هذا الأمر، وبراً بشيخي، وتقديراً له على اختياره لي لهذا الأمر، بإعداد الخطبة، فأخرجت الكتب التي ألفت في جمع الخطب، وأخذت أقرأ وأتصفح وأبحث عن المواضيع التي تناسب المكان والزمان، فاخترت هذا الموضوع الذي لا أنساه أبداً «وهو التوبة والإخلاص في العمل»، ولا زلت أحتفظ بهذه الخطبة وهي من أعز مقتنياتي، وإن كان لي عليها نقد وتصحيح، لكنها في ذلك الوقت خطبة حسنة صحيحة لا أعرف سواه إلا من هذا الوجه.
كتبت الخطبة وانتهيت منها ومن تشكيلها، حتى لا يحصل الخطأ في قراءتها على منبر يوم الجمعة والذي يحضره آلاف من الناس حيث أن شيخنا كان خطيباً جيداً وكان الناس يقصدونه، والجامع تحيط به المباني من كل مكان فهو في حي شعبي من أحياء مدينة الرياض المملوء بالسكان.
مر علي يوم الثلاثاء كأجمل ما يكون، وكنت وأنا أصلي بالناس الفروض أنظر إلى المنبر، وكأن بيني وبينه موعد ولقاء، فأقول له: موعدنا يوم الزينة، وأن يحشر الناس ظهراً لصلاة الجمعة. ومر يوم الأربعاء، ولم أترك أحداً من أصحابي وأهلي إلا أخبرته بهذا الحدث الذي سوف أقوم به، وهو أني خطيب الحي في يوم الجمعة القادمة.
وجاء يوم الخميس، وما أدراك ما أصابني يوم الخميس، دبَّ بي الخوف فجأة، وبدأت أتذكر اجتماع الناس، وزاد خوفي عند سماعي لنصائح أولئك الأصحاب الذين بدأوا يلقونها علي، وأخذوا يذكرونني بالشجاعة والإقدام، ويقصون علي أسوء القصص التي حصلت لمن صعد المنبر أول مرة، وماذا حصل له من الخوف، والسقوط، والإغماء على المنبر، وأمام الناس.
وهذه آفة بعض أهل النصح، المبالغة في المكروه، وتقديمه على التفائل والخير والإحسان.
¥