مما بلوته من حال نفسي –إبان زواجي- وحال كثير من أندادي أن الواحد منا في أول زواجه يغلب الجانب النظري في علاقته بشريكة عمره على الجانب العملي الواقعي، ولذلك مظاهر كثيرة، تترتب عليها مشكلات أكثر، وكلامي الآن -استعجالًا للفائدة، واستبقاءً لفوائد لعلها تأتي- على مظهرين من ذلك:
الأول: أنه قد يقيس أحدنا -وأنا منهم أول أمري- امرأتَه -التي هي في الغالب دون سنّه وخبرته- على من ليسوا من أبناء جيلها، من نحو أمِّه، فيما كانت النساء تحسنه أو تكابده قبل أربعين سنة مثلًا ...
وقد يتمادى فيقيسها على أخلاق وعادات ذلكم الجيل –مع نسبية كثير منها، وعدم احتكاره للصواب، وإن لم يدرك الكثيرون ذاك-.
وقد يكون هذاك القياس منشؤه قلة الخبرة، أو إيعاز الآخرين بحسن نية تارة، وبسوئها تارات، أو الأمران معًا في الغالب.
وإذا كان المرء لا يقاس إلا بأهل عصره -والمرأة وكنتها متعاصران- غير أن زماننا سريع التقلب والتطور، فأبناء العقد الثالث لا يكادون يدركون ما يدركه الأطفال المميزون من معطيات الحضارة وتقنياتها، فكيف بوالد شيخ كبير مع طفل مميز –ولعل التمييز هنا أعم من تحديد الأصحاب إياه بالسبع السنين، وإن عُدت من مخالفاتي للمذهب-.
المهم: أنه لا يصلح في واقعنا وتسارع عجلة الحياة فيه -حتى إن المرء لا يكاد يتصور الشيء ليصح حكمه عليه؛ حتى يفاجأ بما بعده ... - وهكذا دواليك؛ فلا يصلح في هذا الواقع أن يقارن بين امرأتين بينهما ثلاثون عامًا أو ما قارب.
ومهما حاول الإنسان ذلك؛ فلن يرجع إلا بالخيبة والحسرة، وإلا فلو أنصف؛ فليس هو كأبيه ولا أبيها، فما كان جوابًا له فهو جواب لحليلته.
وشرط صاحب الموضوع -أحسن الله إليه- ذِكر قصة، ثم البناء عليها، لكني لا أستحسن في هذا الباب ذِكر القصص؛ لما لها من شخصية، وإن كانت لكثرتها وتكررها أحدثت هذه النتيجة القطعية.
والثاني -وهو بالأول ذو اتصال-: أن كثيرًا من الأخلاق والعوائد نسبية، لا من حيث مجتمع إلى آخر فحسب، بل من شخص إلى آخر أحيانًا ...
فما يقبله إنسان قد لا يقبله غيره، وليس الكلام هنا على ما أجمع العقلاء وذوو الفطر السليمة على حسنه، فضلًا عما حسّنه الشرع الحكيم، ولكن على ما تتفاوت فيه الاعتبارات، ويختلف فيه ذوو العوائد والنشآت المختلفة.
وبعض الرجال قد يقبل من امرأته خلقًا من ذاك، أو تصرفًا من بابة ما نحن فيه، ثم تجمعه جلسة مع قريب، أو صديق، فيحكي له شيئًا مما وقع له، فيقبِّح له صاحبه ذاك الفعل والفاعل، وقد يلومه على عدم رد الفعل تجاهه، ثم يشعره بضعف الشخصية، أو تبلد الإحساس، أو نقص الرجولة، أو .. أو ..
ثم .. لا تسل عما يكون بين الزوجين بعد جلسة التخبيب تلك.
فعقلتُ من تجاربي وتجارب من عالجت مشكلاتهم: أن مثل هذه الأمور النسبية ينبغي أن يكون المرء رحب الصدر فيها، وأن يُفهم زوجه ما يحب منها وما يكره، مع الرفق، وحسن التأتي، والصبر على المخالفة، وألا يضم إلى عوائده عوائد أهله وخلانه، ليطالب المسكينه بمراعاة ذلك أجمع، وإنما هو شخص واحد لا أشخاص، وهي امرأة له وحده، لا لأولئك النفر مجتمعين، وفرض الله عليها إرضاء زوجها، لا إرضاء أهله وأصحابه.
وفي الجعبة كثير من المشكلات ممن عرفتُ، سببُها عدم مراعاة هذا. والله الموفق لما فيه الرشد.
([1]) البحر المحيط 1/ 84.
([2]) انظر: الرسالة للشافعي ص23 - 24، مائية العقل للحارث المحاسبي ص238، أدب الدنيا والدين للماوردي ص14 وما بعدها، الحدود للباجي ص31، المستصفى 1/ 70، إحياء علوم الدين 1/ 145 - 146، إيضاح المحصول للمازري ص83، المفردات في غريب القرآن للراغب الأصفهاني ص346، الشفا لابن سينا 6/ 208، المسودة لآل تيمية ص556 وما بعدها، البحر المحيط 1/ 84 وما بعدها، التحبير للمرداوي 1/ 255 وما بعدها، كشاف اصطلاحات الفنون 4/ 1027.
([3]) المستصفى 1/ 70 - 71.
([4]) ينظر: إحياء علوم الدين ط: الشعب 1/ 145 - 146.
ـ[عبدالله الهدلق]ــــــــ[22 - Jul-2010, صباحاً 05:12]ـ
" زور هذه الأنفس "
كان من فواجعي أني اكتشفتُ زور هذه الأنفس الإنسانية مبكّرًا ..
¥