ولن يقدِر طلبةُ العلم على سلوك هذا الدرب الوعر، الذي لم يقدر على السير فيه إلا أصحابُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ولا على العيش الخشن الذي لم يحتمله إلا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مهما بلغ بهم من زهد تنادوا إلى تعلمه وتطبيقه، ولكن بوسعهم أن يقرؤوا هذه الكتب ليقفوا على ما تداوله العلماء من شرح لتوجيهات قدوتنا - صلى الله عليه وسلم -، وما انتهجه الصحابةُ في متابعته –عليه الصلاة والسلام -، من مناهجَ أضحت في زماننا هذا كأساطير الأولين، بدلاً من جعل هذه الكتب زينة على حيطان المنازل، ويسعُنا وإياهم جميعا من الأمر ما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فافعلوا منه ما استطعتم، فإنما أهلَكَ الذين من قبلكم كثرةُ مسائلهم، واختلافُهم على أنبيائهم)) [22]. فرضي الله عنك يا سلمان، لقد أتعبت من جاء بعدك، حتى عجَز أركان الزهد في العهود الأولى عن مجاراتك، مع ما لهم من صرامة في الأخذ بالزهد؛ لأنك كنت تسمع خطاب الحبيب - صلى الله عليه وسلم - فتلتزم أمرَه، وتقف عند نهيه تماما لا تزيد ولا تنقص، وفي ذلك راجعتَ أخاك أبا الدرداء لما أتعب نفسه، فأهمل حقها، ونسي حق أهله في سبيل الاجتهاد في طاعة الله عز وجل، فعاد - بعد نصحك - ليعطي كل ذي حق حقه [23].

بعض ذلك قد يختاره القلم بهذا الأسلوب، أو بأسلوب أرقى منه وأحلى، لتخرج القصة عذبة المعنى، متماسكة المبنى، بحجة رفع مدارك النشء للمستوى المتقدم من فهم اللغة، وتذوق حلاوتها. وبحجة ربط السياق القصصي بتنمية معارف القراء بالأحكام والآداب الشرعية، وكذلك بحجة أن تكون الرواية بالقدر المناسب في المضمون والهدف، وتلك هي حجج يتشبث بها أرباب البيان والفصاحة من الإسلاميين. ولا شك أنهم يدركون أن من أهم الأهداف التربوية عند المسلمين؛ التناسب بين الغاية - وهي: الوصول إلى الفهم السليم للنصوص الشرعية، من القرآن الكريم، والسنة الصحيحة المطهرة، وما فيهما من أوامر، ونواهٍ، وأحكام، وآداب، وقصص؛ مما تحيا به القلوبُ والألباب، فترتفع لإدراك الحكم والغايات من مقاصد الشرع الكبرى -، وبين وسائل تحقيق هذه الغاية، وهي: المناهج المنضبطة، التي لا ينخرم فيها الحق بالمرة، فهل يأخذ بذلك ملاك البيان؟! يا ليتهم يفعلون.

والله الموفق ...

ــــــــــــــــــــــــــ

[1] النسعة بكسر النون، وسكون السين المهملة، وبعدها عين مهملة، وهي سير ينسج عريضا يشد به صدر الدابة، لسان العرب (8/ 352 - نسع). وكربُ النسعة تضييقها، وانظر لسان العرب (1/ 713 – كرب)، وفي ذلك كناية عن الاستعانة بها على ثقل الحمل.

[2] تقع في الشمال من ولاية النيل الأبيض، وفي الشمال الغربي لولاية الجزيرة، وفي الجنوب من ولاية الخرطوم، في جمهورية السودان.

[3] من كتاب ((الذكريات)) الجزء الثالث صفحة 314 - 315، للشيخ علي الطنطاوي، دارة المنارة للنشر والتوزيع، جدة، الطبعة الثانية 1409هـ/1989م.

[4] البرزة المتجالة: هي المرأة الكبيرة المسنة التي تجلس للقوم فتحدثهم ويتحدثون عنها، لسان العرب (5/ 310 - برز، و11/ 116 – جلل).

[5] القرقاب: ثوب داخلي تتزر به المرأة، من فوق سرتها إلى كعبيها ثم تضيف إليه ثوبا فضفاضا من رأسها إلى كعبيها أيضا، وقد كانت جداتنا يلبسنه، وهو معروف حتى عهد أمهاتنا، والذي ينظر في المعاجم في مادة قرقب يجد ما يدل على أنه من غريب الفصيح، ولكن مع ذلك لم يذكر بهذا اللفظ، وإنما ذكر الثوب القرقبي.

[6] المِبْذل: بكسر الميم وسكون الموحدة، هو الثوب الذي ترتديه المرأة، ولا تهتم به، ولا تصونه، لسان العرب (11/ 50 - بذل).

[7] الحائش: مجتمع الشجر (لسان العرب 6/ 291 – حوش)، ومنه اشتق أهلنا لفظ الحَوَّاشة بفتح الحاء المهملة، وتشديد الواو، وهي المزرعة.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015