الناقة، ومرة يركب حماراً، ويردف عليه بعض أصحابه، ومرة يأكل التمر دون خبز، والخبز يابساً، ومرة يأكل العناق المشوية، والبطيخ بالرطب والحلواء.
يأخذ القوت، ويبذل الفضل ويترك ما لا يحتاج إليه، ولا يتكلف فوق مقدار الحاجة ولا يغضب لنفسه، ولا يدع الغضب لربه عز وجل.
الثبات الذي هو صحة العقد والثبات الذي هو اللجاج مشتبهان اشتباهاً لا يفرق بينهما إلا عارف بكيفية الأخلاق.
والفرق بينهما أن اللجاج هو ما كان على الباطل أو ما فعله الفاعل نصراً لما نشب فيه، وقد لاح له فساده، أو لم يلح له صوابه ولا فساده، وهذا مذموم، وضده الإنصاف.
وأما الثبات الذي هو صحة العقد فإنما يكون على الحق، أو على ما اعتقده المرء حقاً ما لم يلح له باطله، وهذا محمود، وضده الاضطراب.
وإنما يلام بعض هذين؛ لأنه ضيع تدبر ما ثبت عليه، وترك البحث عما التزم أحق هو أم باطل.
حد العقل استعمال الطاعات والفضائل، وهذا الحد ينطوي فيه اجتناب المعاصي والرذائل. وقد نص الله تعالى في غير موضع من كتابه على أن من عصاه لا يعقل، قال الله تعالى حاكياً عن قوم {وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير} ثم قال تعالى مصدقاً لهم {فاعترفوا بذنبهم فسحقاً لأصحاب السعير}.
وحد الحمق استعمال المعاصي والرذائل ... ولا واسطة بين العقل والحمق إلا السخف.
وحد السخف هو العمل والقول بما لا يحتاج إليه في دين ولا دنيا، ولا حميد خلق مما ليس معصية ولا طاعة ولا عوناً عليهما، ولا فضيلة ولا رذيلة مؤذية؛ ولكنه من هذر القول وفضول العمل.
فعلى قدر الاستكثار من هذين الأمرين أو التقلل منهما يستحق المرء اسم السخف، وقد يسخف المرء في قصة، ويعقل في أخرى، ويحمق في ثالثة.
وأما إحكام أمر الدنيا والتودد إلى الناس بما وافقهم، وصلحت عليه حال المتودد من باطل، أو غيره أو عيب أو ما عداه، والتحيل في إنماء المال، وبعد الصوت، وتسبيب الجاه بكل ما أمكن من معصية ورذيلة؛ فليس عقلاً، ولقد كان الذين صدّقهم الله بأنهم لا يعقلون سائسين لدنياهم مثمرين لأموالهم مدارين لملوكهم حافظين لرياستهم، لكن هذا الخلق يسمى الدهاء، وضده العقل والسلامة.
وأما إذا كان السعي فيما ذكرنا بما فيه تصاون، وأنفة = فهو يسمى: الحزم، وضده المنافي له التضييع.
وأما الوقار ووضع الكلام موضعه والتوسط في تدبير المعيشة، ومسايرة الناس بالمسالمة فهذه الأخلاق تسمى الرزانة، وهي ضد السخف.
أصول الفضائل كلها أربعة عنها تتركب كل فضيلة وهي:
العدل، والفهم، والنجدة، والجود.
أصول الرذائل كلها أربعة عنها تتركب كل رذيلة وهي:
الجور، والجهل، والجبن، والشح. وهذه أضداد الذي ذكرنا.
الأمانة والعفة نوعان من أنواع العدل والجود.
النزاهة في النفس فضيلة تركبت من النجدة والجود، وكذلك الصبر.
الحلم نوع مفرد من أنواع النجدة.
القناعة فضيلة مركبة من الجود والعدل.
والحرص متولد عن الطمع؛ والطمع متولد عن الحسد، ويتولد من الحرص رذائل عظيمة منها: الذل والسرقة والغصب والزنا والقتل والعشق ..
والمداراة فضيلة متركبة من الحلم والصبر.
الصدق مركب من العدل والنجدة.
من جاء إليك بباطل رجع من عندك بحق؛ وذلك أن من نقل إليك كذباً عن إنسان حرك طبعك؛ فأجبته = فرجع عنك بحق، فتحفظ من هذا ولا تجب إلا عن كلام صح عندك عن قائله.
لا شيء أقبح من الكذب، وما ظنك بعيب يكون الكفر نوعاً من أنواعه، فكل كفر كذب، فالكذب جنس والكفر نوع تحته.
والكذب متولد من الجور والجبن والجهل؛ لأن الجبن يولد مهانة النفس، والكذاب مهين النفس بعيد عن عزتها المحمودة.
رأيت الناس في كلامهم الذي هو فصل بينهم وبين الحمير والكلاب والحشرات ينقسمون أقساماً ثلاثة:
أحدها: من لا يبالي فيما أنفق كلامه، فيتكلم بكل ما سبق إلى لسانه غير محقق نصر حق ولا إنكار باطل وهذا هو الأغلب في الناس.
والثاني: أن يتكلم ناصراً لما وقع في نفسه أنه حق، ودافعاً لما توهم أنه باطل غير محقق لطلب الحقيقة لكن لجاجاً فيما التزم وهذا كثير وهو الأول.
والثالث: واضع الكلام في موضعه، وهذا أعز من الكبريت الأحمر.
لقد طال هم من أغاظه الحق.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[01 - May-2007, مساء 09:29]ـ
اثنان عظمت راحتهما:
¥