فطائفة تمدح في الوجه، وتذم في المغيب؛ وهذه صفة أهل النفاق من العيابين، وهذا خلق فاش في الناس غالب عليهم.

وطائفة تذم في المشهد، والمغيب، وهذه صفة أهل السلاطة والوقاحة من العيابين.

وطائفة تمدح في الوجه والمغيب، وهذه صفة أهل الملق والطمع.

وطائفة تذم في المشهد، وتمدح في المغيب، وهذه صفة أهل السخف والنواكة.

وأما أهل الفضل فيمسكون عن المدح والذم في المشاهدة، ويثنون بالخير في المغيب، أو يمسكون عن الذم.

وأما العيابون البرآء من النفاق والقحة، فيمسكون في المشهد، ويذمون في المغيب.

وأما أهل السلامة فيمسكون عن المدح وعن الذم في المشهد والمغيب.

ومن كل من أهل هذه الصفات قد شاهدنا وبلونا.

إذا نصحت ففي الخلاء وبكلام لين، ولا تسند سب مَن تحدثه إلى غيرك؛ فتكون نماماً، فإن خشّنت كلامك في النصيحة؛ فذلك إغراء وتنفير، وقد قال الله تعالى (فقولا له قولاً ليناً) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تنفروا).

وإن نصحت بشرط القبول منك = فأنت ظالم، ولعلك مخطئ في وجه نصحك؛ فتكون مطالباً بقبول خطئك، وبترك الصواب.

لكل شيء فائدة، ولقد انتفعت بمحك أهل الجهل منفعة عظيمة، وهي أنه توقد طبعي، واحتدم خاطري، وحمي فكري، وتهيج نشاطي، فكان ذلك سبباً إلى تواليف لي عظيمة المنفعة، ولولا استثارتهم ساكني، واقتداحهم كامني، ما انبعثت لتلك التواليف.

لا تصاهر إلى صديق ولا تبايعه، فما رأينا هذين العملين إلا سبباً للقطيعة، وإن ظن أهل الجهل أن فيهما تأكيداً للصلة؛ فليس كذلك؛ لأن هذين العقدين داعيان كل واحد إلى طلب حظ نفسه، والمؤثرون على أنفسهم قليل جداً، فإذا اجتمع طلب كل امريء حظ نفسه، وقعت المنازعة، ومع وقوعها فساد المروءة.

الطمع أصل لكل ذل، ولكل هم، وهو خلق سوء ذميم.

وضده نزاهة النفس، وهذه صفة فاضلة مركبة من النجدة والجود والعدل والفهم؛ لأنه رأى قلة الفائدة في استعمال ضدها فاستعملها، وكانت فيه نجدة أنتجت له عزة نفسه؛ فتنزه، وكانت فيه طبيعة سخاوة نفس فلم يهتم لما فاته، وكانت فيه طبيعة عدل حببت إليه القناعة وقلة الطمع.

فإذن نزاهة النفس متركبة من هذه الصفات.

فالطمع الذي هو ضدها متركب من الصفات المضادة لهذه الصفات الأربع، وهي: الجبن والشح والجور والجهل.

والرغبة طمع مستوفى متزايد مستعمل، ولولا الطمع ما ذل أحد لأحد.

من امتحن بقرب من يكره، كمن امتحن ببعد من يحب ولا فرق.

اقنع بمن عندك، يقنع بك من عندك.

السعيد في المحبة هو من ابتلي بمن يقدر أن يلقي عليه قفله، ولا تلحقه في مواصلته تبعة من الله عز وجل، ولا ملامة من الناس.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[26 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 12:57]ـ

إذا ارتفعت الغيرة فأيقن بارتفاع المحبة.

الغيرة خلق فاضل متركب من النجدة والعدل؛ لأن من عدل كره أن يتعدى إلى حرمة غيره، وإن يتعدى غيره إلى حرمته؛ ومن كانت النجدة طبعاً له، حدثت فيه عزة، ومن العزة تحدث الأنفة من الاهتضام.

أخبرني بعض من صحبناه في الدهر عن نفسه، أنه ما عرف الغيرة قط، حتى ابتُلي بالمحبة فغار. وكان هذا المخبر فاسد الطبع، خبيث التركيب؛ إلا أنه كان من أهل الفهم والجود.

كنا نظن أن العشق في ذوات الحركة والحدة من النساء أكثر، فوجدنا الأمر بخلاف ذلك، وهو في الساكنة الحركات أكثر، ما لم يكن ذلك السكون بلهاً.

التلون المذموم هو التنقل من زي متكلف لا معنى له إلى زي آخر مثله في التكلف، وفي أنه لا معنى له.

وأما من استعمل من الزي ما أمكنه مما به إليه حاجة، وترك التزيد مما لا يحتاج إليه = فهذا عين من عيون العقل والحكمة كبير، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وهو القدوة في كل خير، والذي أثنى الله تعالى على خلقُه، والذي جمع الله تعالى فيه أشتات الفضائل بتمامها، وأبعده عن كل نقص ـ: يعود المريض مع أصحابه راجلاً في أقصى المدينة بلا خُفٍ ولا نعل ولا قلنسوة ولا عمامة، ويلبس الشعر إذا حضره، وقد يلبس الوشي من الحبرات إذا حضره، ولا يتكلف ما لا يحتاج إليه، ولا يترك ما يحتاج إليه، ويستغني بما وجد عما لا يجد، ومرة يمشي راجلاً حافياً، ومرة يلبس الخف، ويركب البغلة الرائعة الشهباء، ومرة يركب الفرس عرياً [بلا سرج] ومرة يركب

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015