ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[22 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 09:22]ـ

بعض أنواع النصيحة يشكل تمييزه من النميمة؛ لأن من سمع إنساناً يذم آخر ظالماً له، أو يكيده ظالماً له؛ فكتم ذلك عن المقول فيه والمكيد، كان الكاتم لذلك ظالماً مذموماً، ثم إن أعلمه بذلك على وجهه كان ربما قد ولد على الذام والكائد ما لم يبلغه استحقاقه بعد من الأذى؛ فيكون ظالماً له، وليس من الحق أن يقتص من الظالم بأكثر من قدر ظلمه، فالتخلص من هذا الباب صعب إلا على ذوي العقول.

والرأي للعاقل في مثل هذا، إن يحفظ المقول فيه من القائل فقط، دون أن يبلغه ما قال، لئلا يقع في الاسترسال إليه فيهلك.

وأما في الكيد فالواجب أن يحفظه من الوجه الذي يكاد منه بألطف ما يقدر في الكتمان على الكائد، وأبلغ ما يقدر في تحفيظ المكيد، ولا يزد على هذا شيئاً.

وأما النميمة فهي التبليغ لما سمع مما لا ضرر فيه على المبلغ إليه، وبالله التوفيق.

النصيحة مرتان:

فالأولى: فرض وديانة.

والثانية: تنبيه وتذكير.

وأما الثالثة: فتوبيخ وتقريع، وليس وراء ذلك إلا التركل واللطام، اللهم إلا في معاني الديانة، فواجب على المرء ترداد النصح فيها رضي المنصوح أو سخط، تأذى الناصح بذلك، أو لم يتأذ.

وإذا نصحت فانصح سراً لا جهراً، وبتعريض لا تصريح، إلا أن لا يفهم المنصوح تعريضك؛ فلا بد من التصريح.

ولا تنصح على شرط القبول منك، فإذا تعديت هذه الوجوه = فأنت ظالم لا ناصح، وطالب طاعة، ومُلْك لا مؤدي حق أمانة وأُخوة.

وليس هذا حكم العقل، ولا حكم الصداقة، لكن حكم الأمير مع رعيته، والسيد مع عبيده.

لا تكلف صديقك إلا مثل ما تبذل له من نفسك، فإن طلبت أكثر، فأنت ظالم.

ولا تكسب إلا على شرط الفقد.

ولا تتول إلا على شرط العزل، وإلا فأنت مضر بنفسك خبيث السيرة.

من أردت قضاء حاجته بعد أن سألك إياها، أو أردت ابتداءه بقضائها، فلا تعمل له إلا ما يريد هو لا ما تريد أنت، و إلا فأمسك، فإن تعديت هذا كنت مسيئاً لا محسناً، ومستحقاً للوم منه ومن غيره لا للشكر، ومقتضياً للعداوة لا للصداقة.

لا تنقل إلى صديقك ما يؤلم نفسه، ولا ينتفع بمعرفته؛ فهذا فعل الأرذال.

ولا تكتمه ما يستضر بجهله، فهذا فعل أهل الشر، ولا يسرك أن تمدح بما ليس فيك، بل ليعظم غمك بذلك؛ لأنه نقصك ينبه الناس عليه، ويسمعهم إياه، وسخرية منك وهزؤ بك، ولا يرضى بهذا إلا أحمق ضعيف العقل.

ولا تأس إن ذممت بما ليس فيك؛ بل افرح به، فإنه فضلك ينبه الناس عليه، ولكن افرح إذا كان فيك ما تستحق به المدح، وسواء مدحت به أو لم تمدح، واحزن إذا كان فيك ما تستحق به الذم، وسواء ذممت به أو لم تذم.

من سمع قائلاً يقول في امرأة صديقه قول سوء، فلا يخبره بذلك أصلاً، لا سيما إذا كان القائل عيابة، وقاعاً في الناس سليط اللسان، أو دافع معرة عن نفسه، يريد أن يكثر أمثاله في الناس، وهذا كثير موجود.

وبالجملة فلا يحدث الإنسان إلا بالحق، وقول هذا القائل لا يدري أحق هو أم باطل، إلا أنه في الديانة عظيم.

فإن سمع القول مستفيضاً من جماعة، وعلم أن أصل ذلك القول شائع، وليس راجعاً إلى قول إنسان واحد، أو اطلع على حقيقته إلا أنه لا يقدر أن يوقف صديقه على ما وقف هو عليه، فليخبره بذلك بينه وبينه في رفق، وليقل له: النساء كثير، أو حصن منزلك، وثقف أهلك، أو اجتنب أمراً كذا، وتحفظ من وجه كذا.

فإن قبل المنصوح وتحرز فحظ نفسه أصاب، وإن رآه لا يتحفظ ولا يبالي أمسك، ولم يعاوده بكلمة، وتمادى على صداقته إياه، فليس في أن لا يصدقه في قوله ما يوجب قطيعته، فإن اطلع على حقيقة وقدر أن يوقف صديقه على مثل ما وقف عليه هو من الحقيقة = ففرض عليه أن يخبره بذلك، وأن يوقفه على الجلية. فإن غيّر فذلك، وإن رآه لا يغير اجتنب صحبته؛ فإنه رذل لا خير فيه ولا نقية.

ودخول رجل متستر في منزل المرء، دليل سوء لا يحتاج إلى غيره.

ودخول المرأة في منزل رجل على سبيل التستر مثل ذلك أيضاً.

وطلب دليل أكثر من هذين سخف.

وواجب أن يجتنب مثل هذه المرأة وفراقها على كل حال، وممسكها لا يبعد عن الدياثة.

ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[22 - صلى الله عليه وسلمpr-2007, مساء 09:24]ـ

الناس في أخلاقهم على سبع مراتب:

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015