" و ذلك " أي التوحيد و الإخلاص في الدين , هو " دين القيمة " أي الدين المستقيم , الموصل إلى جنات النعيم , و ما سواه فطرق موصلة إلى الجحيم.

و قد استدل كثير من الأئمة , كالزهري و الشافعي , بهذه الآية الكريمة على أن الأعمال داخلة في الإيمان , و لهذا قال " و ما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدّين حُنفاء و يقيموا الصلاة و يؤتوا الزكاة و ذلك دين القيّمة ".

(إن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البريّة) بعد أن بيّن الدين الحق المنجي من العذاب و الموجب للنعيم و هو الدين الإسلامي أخبر تعالى أن من كفر به من أهل الكتاب و من المشركين هم في نار جهنم خالدين فيها هذا حكم الله فيهم لكفرهم بالحق و إعراضهم عنه بعد ما جاءتهم البيّنة و عرفوا الطريق و تنكبوه رضا بالباطل و اقتناعا بالكفر و الشرك بدل الإيمان و التوحيد هؤلاء الكفرة الفجرة هم شر الخليقة كلها.

(إن الذين ءامنوا) أي بالله و رسوله محمد صلوات الله عليه (و عملوا الصالحات) من بذل النفس في سبيل الجهاد للحق , و بذل المال في أعمال البر , مع القيام بفرائض العبادات , و الإخلاص في سائر ضروب المعاملات , لأن إذعانهم الصحيح ووجدانهم لذة معرفة الحق , ملّكت الحق قيادهم , فعملوا الأعمال الصالحة (أولئك هم خير البريّة) أي أفضل الخليقة. لأنهم بمتابعة الحق عند معرفته بالدليل القائم عليه , قد حققوا لأنفسهم معنى الإنسانية التي شرفهم الله بها , و بالعمل الصالح , قد حفظوا نظام الفضيلة الذي جعله الله قوام الوجود الإنسانيّ , و هَدوا غيرهم بحسن الأسوة إلى مثل ما هُدوا إليه من الخير و السعادة.

و قد استدل بهذه الآية أبو هريرة رضي الله تعالى عنه و طائفة من العلماء , على تفضيل المؤمنين من البرية على الملائكة.

(جزاؤهم عند ربهم) أي يوم القيامة.

(جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها) أي بساتين إقامة دائما - تجري من تحتها الأنهار - لا يخرجون منها و لا يموتون أبدا.

(رضي الله عنهم و رضوا عنه) رضي الله عنهم بسبب إيمانهم و طاعتهم و رضوا عنه , لأنهم بحسن يقينهم يرتاحون إلى امتثال ما يأمر به في الدنيا , فهم راضون عنه , ثم إذا ذهبوا إلى نعيم الآخرة , وجدوا من فضل الله ما لا محل للسخط معه , فهم راضون عن الله في كل حال.

(ذلك لمن خشية ربه) أي هذا الجزاء حاصل لمن خشي الله و اتقاه حق تقواه , و عبده كأنه يراه , قد علم أنه إن لم يره فإنه يراه , و إن عصاه يوما تاب و إن أخطأ رجع حتى مات و هو على الطاعة لا على المعصية.

ــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ

فائدة: الخشية الموجبة لهذا النعيم المقيم هي ثمرة العلم إذ لا خشية بلا علم قال تعالى " إنما يخشى الله من عباده العلماء " فلذا وجب طلب العلم و هو العلم بالله و محابه و مكارهه ووعده ووعيده إذ ها هو العلم الذي يثمر الخشية.

ـ[عبدالحي]ــــــــ[10 - Jan-2008, مساء 02:30]ـ

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تفسير سورة القدر

مكية و آياتها خمس آيات

(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) أي أنزلنا القرآن على قلب خاتم النبيين , بمعنى ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر , و هي الليلة المباركة التي قال الله عز و جل " إنا أنزلناه في ليلة مباركة " و هي من شهر رمضان , كما قال تعالى " شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن ".

قال ابن عباس و غيره: أنزل الله القرآن جملة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزّة من السماء الدنيا , ثم نزل مفصلا بحسب الوقائع في ثلاث و عشرين سنة على رسول الله صلى الله عليه و سلم.

و سميت ليلة القدر لعظم قدرها و فضلها عند الله , و لأنه يقدر فيها ما يكون في العام من الآجال و الأرزاق و المقادير القدرية.

(و ما أدراك ما ليلة القدر) أي أن شأنها جليل و مقدارها عظيم.

(ليلة القدر خير من ألف شهر) أي تعادل من فضلها ألف شهر , فالعمل الذي يقع فيها , خير من العمل في ألف شهر خالية منها , و هذا مما تتحير فيه الألباب , و تندهش له العقول , حيث منّ تبارك و تعالى على هذه الأمة الضعيفة القوة و القوى , بليلة يكون العمل فيها يقابل و يزيد على ألف شهر , يعني ثلاث و ثمانون سنة و أربعة أشهر.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015