(إن الإنسان لربّه لكنود) المراد من الإنسان الكافر و الجاهل بربّه تعالى الذي لم تتهذب روحه بمعرفة الله و محابه و مكارهه و لم يُزَك نفسه بفعل المحاب و ترك المكاره , هذا الإنسان أقسم تعالى على أنه كفور لربه تعالى و لنعمه عليه أي شديد الكفر كثيره بذكر المصائب و يعشر بها و يصرخ لها و يصر عليها وينسى النعم و الفواضل عليه فلايذكرها و لا يشكر الله تعالى عليها , فالكنود الكفور.
و قد فسر السلف الكنود بالهلوع و الجحود و الجهول و الحقود و المَنوع.
(و إنه على ذلك لشهيد) أي إن الإنسان على ما يعرف من نفسه من المنع و الكند لشاهد بذلك , لا يجحده و لا ينكره , لأن ذلك أمر بيِّن واضح. و يحتمل أن الضمير عائد إلى الله تعالى أي: إن العبد لربه لكنود , و الله شهيد على ذلك , ففيه الوعيد , و التهديد الشديد , لمن هو لربه كنود , بأن الله عليه شهيد.
(و إنه لحب الخير لشديد) أي و إنه لحب المال و الدنيا و إيثارها , لقويّ , و حبه لذلك , هو الذي أوجب له ترك الحقوق الواجبة عليه , قدم شهوة نفسه على حق ربه , و كلُّ هذا لأنه قصر نظره على هذه الدار , و غفل عن الآخرة.
و سمّي المال خيرا تسمية عرفية إذ تعارف الناس على ذلك , كما أنه خير من حيث أنه يحصل به الخير الكثير إذا أنفق في مرضاة الله تعالى.
(أفلا يعلم إذا بُعثر ما في القبور) أخرج ما فيها من الأموات , لحشرهم و نشورهم.
(و حُصّل ما في الصدور) أي أظهر و أبرز ما في صدورهم و نفوسهم من أسرارهم و نياتهم المكتومة فيها , من خير أو شر , فصار السر علانية , و الباطن ظاهرا , و بان على وجوه الخلق نتيجة أعمالهم.
قال الرازي: (و إنما خص أعمال القلوب بالتحصيل دون أعمال الجوارح , لأن أعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب , فإنه لولا البواعث و الإرادات في القلوب , لما حصلت أفعال الجوارح , و لذلك جعلها تعالى الأصل في الذم فقال " ءاثم قلبه " و الأصل في المدح فقال " وَجِلَت قلوبهم ")
(إنّ ربهم بهم يومئذ لخبير) أي العالم بجميع ما كانوا يصنعون و يعملون و مجازيهم عليه أوفر الجزاء , و لا يظلم مثقال ذرة. فلو علم الكفور من الناس المحب للمال هذا و أيقنه لعدّل من سلوكه و أصلح من اعتقاده و من أقواله و أعماله فالآيات دعوة إلى مراقبة الله تعالى بعد الإيمان و الإستقامة على طاعته.
و خُص خُبره بذلك اليوم , مع أنه خبير بهم في كل وقت , لأن المراد بذلك , الجزاء بالأعمال , الناشئ عن علم الله و اطلاعه.
ـ[عبدالحي]ــــــــ[31 - عز وجلec-2007, مساء 02:46]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تفسير سورة الزلزلة
سورة الزلزلة مدنية و آياتها ثماني آيات
و تسمى سورة الزلزال لوجود لفظ الزلزال فيها و هو قوله تعالى " إذا زلزلت الأرض زلزالها ".
في هذه السورة يخبر الله تعالى عما يكون يوم القيامة , و أن الأرض تتزلزل و ترتجف حتى يسقط ما عليها من بناء و عَلَم. فتندك جبالها , و تُسوّى تلالها , و تكون قاعا صفصفا لا عوج فيه و لا أمت , و هذا الإخبار جاء مجملا إذ المقصود تقرير البعث و الجزاء ليعمل الناس بما ينجيهم من النار و يدخلهم الجنة.
(إذا زلزلت الأرض زلزالها) أي أصابها ذلك الزلزال الشديد و الإهتزاز الرهيب , فهي الرجة التي لا غاية و راءها.
(و أخرجت الأرض أثقالها) أي قذفت ما في باطنها من كنوز و دفائن و أموات و غير ذلك , لشدة الزلزلة , و تشقق ظهرها - كقوله تعالى " يا أيها النّاس اتقوا ربكم إنّ زلزلة الساعة شيء عظيم " - وكقوله تعالى " و إذا الأرض مُدّت و ألقت ما فيها و تخلّت ".
(و قال الإنسان مالها) أي قال من يكون من الإنسان شاهدا لهذا الزلزال ما لهذه الأرض رجّت هذه الرجة الهائلة , و بعثر ما فيها من الأثقال المدفونة.
و " مالها " استفهام ناشئ عن دهشة و حيرة للمفاجأة.
(يومئذ تحدّث أخبارها) أي تشهد على العاملين بما عملوا على ظهرها من خير و شر - بلسان القال أو الحال - فإن الأرض من جملة الشهود الذين يشهدون على العباد بأعمالهم.
و هي في هذا الإخبار مأمورة لقوله تعالى (بأن ربك أوحى لها) أي أمرها أن تخبر بما عمل عليها , فلاتعصي لأمره.
(يومئذ يصدر الناس أشتاتا) أي يوم تزلزل الأرض و تهتز للنفخة الثانية نفخة يصدر الناس فيها أشتاتا , ينصرفون عن مراقدهم إلى موطن حسابهم و جزائهم , متفرقين سعداء و أشقياء.
(ليروا أعمالهم) ليريهم الله ما عملوا من الحسنات و السيئات , و يريهم جزاءه موفرا , فالحسنة تورث الجنة و السيئة تورث النار.
(فمن يعمل مثقال ذرّة خيرا يره , و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره) فمن عمل في الدنيا وزن ذرة من خير , يرى ثوابه هنالك - و الذرة النملة الصغيرة و هي مَثل في الصغر , و قيل الذر هو الهباء الذي يُرى في ضوء الشمس إذا دخلت من نافذة - و من كان عمل في الدنيا وزن ذرة من شر , يرى جزاءه ثَمَّة إلا أن يعفو الجبار عز وجل , و بما أن الكفر مانع من دخول الجنة فإن الكافر إذا عمل حسنة في الدنيا يرى جزاءها في الدنيا , و ليس له في الآخرة شيء منها.
و هذا الجزاء شامل عام للخير و الشر كله , لأنه إذا رأى مثقال الذرة , التي هي أحقر الأشياء , و جوزي عليها فما فوق ذلك من باب أولى و أحرى , كما قال تعالى " يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا , و ما عملت من سوء تود لو أن بينها و بينه أمدا بعيدا " " ووجدوا ما عملوا حاضرا ".
و هذه الآية فيها غاية الترغيب في فعل الخير ولو قليلا , و الترهيب من فعل الشر و لو حقيرا.
¥