هناك ما يمنع دخول الفاء على الخبر ومن ذلك:
1 ـ كلمات الشرط الجازمة الثابتة الإقدام في الشرطية، فلا يدخلها من الابتداء إلا في الضرورة، فيضمر مع ذلك بعدها ضمير الشأن، حتى لا تخرج كلمات الشرط في التقدير عن التصدير في جملها وذلك نحو قول الأخطل التغلبي:
إِنَّ مَنْ يَدْخُلِ الكنيسةَ يَومَا يَلْقَ فِيهَا جَآذِرَا وَظِبَاءَ (43)
حيث دخلت (إنّ) على (من) الشرطية، بدليل جزم الفعل والجواب بعدها، وذلك منع جعلها اسم "إن" فيكون اسمها ضمير الشأن والجملة خبرها.
2 ـ ليت ولعل مانعان بالاتفاق بدخول الفاء في خبر المبتدأ؛لأن دخول الفاء في خبر ليت ولعل للزوم التناقض، وذلك لأن ما بعد الفاء الجزائية لا يكون إلا خبرا، أي محتمل الصدق والكذب، وخبر ليت ولعل لا يحتملان ذلك.
أما النواسخ (إنّ، أنّ، لكنّ) فلا تمنع، ويجوز مع كل واحد منها دخول الفاء نحو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} (البروج:10). وقوله تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ} (الأنفال:41). فقوله: (فلهم عذاب أليم) يفيد بأنهم استحقوا عذاب جهنم بسبب كفرهم، واستحقوا عذاب الحريق بسبب فتنتهم المؤمنين والمؤمنات، فالظاهر أنهما سببين في جانب الخبر على الترتيب، والفاء لما في المبتدأ من معنى الشرط (44)
النمط الثالث: الفاء الزائدة
تزاد الفاء مع (إذا) الفجائية نحو: (فتحت الباب فإذا المطر نازل)، وتزاد الفاء في الجواب فيكون دخولها في الكلام كخروجها، وهذا لا يثبته سيبويه (45)، وأجاز الأخفش زيادتها في الخبر مطلقا وحكي (أخوك فوجد) (46)، وقيد الفراء الجواز بأن يكون الخبر أمرا أو نهيا (47).
فالأمر نحو قول الشاعر:
وقائلة: خولان فانكحْ فتاتَهم وأكرومة الحيينِ خلو كما هيا (48).
فـ (خولان) مبتدأ، وجملة (انكح) خبر المبتدأ، والفاء زائدة، والمعنى:وربّ قائلة: هؤلاء بنو خولان فتزوج فتاتهم التي اتصف حي أبيها وأمّها بالكرم خلو من الزوج كسابق عهدها، وعلى هذا فالفاء عاطفة لجملة (انكح) على جملة هؤلاء خولان.
والقائلون بعدم زيادة الفاء كسيبويه فإنه يؤول ذلك (خولان فانكح) على أن التقدير: (هذه خولان فانكح)، ويرون أنها لو كانت زائدة كما يرى الأخفش لترجح النصب، لأنه واقع قبل الطلب في هذا البيت. (49)
ومن زيادتها قول الشاعر:
لمّا اتَّقَى بِيَدٍ عَظِيمٍ جَرْمُهَا فَتَرَكْتُ ضَاحِي جِلْدِهِ يَتَذَبْذَبُ (50)
فالفاء زائدة؛لأن الفاء لا تدخل في جواب لمّا، وقيل عاطفة على فعل محذوف تقديره: ضربتها، وأما قوله تعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} (لقمان: 32)، فالجواب محذوف، أي: انقسموا قسمينفمنهم مقتصد، فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك، وأما قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ} (البقرة: 89).فقيل جواب لما الأولى لما الثانية وجوابها، وقد ردّ ابن هشام ذلك بسبب اقترانه بالفاء، وقيل أن {كفروا به} جواب لهما؛لأن الثانية تكرير للأولى
وقيل إن جواب الأولى محذوف أي أنكروه (51). قال الزجاج:"وجواب (ولما جاءهم كتاب) محذوف، لأن معناه معروف دل عليه فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به" (52)، الفاء في قولك: (خرجت فإذا الأسد) زائدة لازمة عند أبي علي الفارسي والمازني وعاطفة عند ابن جني، وللسببية المحضة كفاء الجواب عند الزجاج ويقول ابن هشام:"ويجب عندي أن يحمل على ذلك" (53)، مثل قوله تعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ* فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر:1ـ2)، إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر ولا العكس، ولا يحسن إسقاطها ليسهل دعوى زيادتها.
مردفات الفاء
بعد دراسة معاني الفاء ودلالاتها في العربية تبين أن لها عدة مردفات هي:
¥