1 ـ الفاء مرادفة لـ (ثم)

تأتي الفاء بمعنى (ثم) نحو قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون:14) فالفاءات في (فخلقنا العلقة مضغة)، وفي (فخلقنا المضغة عظاما)، وفي (فكسونا) بمعنى ثمّ،لتراخي معطوفاتها.

ونحو قوله: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاء أَحْوَى} (الأعلى:4ـ5) فإخراج المرعى هوإنبات العشب واخضراره،والفاء هنا بمعنى ثم وليست للترتيب؛لأن تحويل العشب الأخضر إلى هشيم أسود يابس يحتاج إلى وقت.

2 ـ الفاء مرادفة لـ (الواو)

تأتي الفاء بمعنى (الواو)، وهذا ما يطلق عليه ابن مالك عطف لمجرد المشاركة في الحكم كقول امرىء القيس:

قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ بِسقْطِ الّلوَى بينَ الدّخُولِ فَحَومَلِ (54).

فقد جاءت الفاء بمعنى الواو في (فحومل) والتقدير:بين الدخول وحومل (55).

ولا يجيز الأصمعي رواية هذا البيت بالواو، معللا ذلك بعدم قولنا (جلست بين زيد فعمر)، ورد عليه ابن هشام ذلك بقوله:" التقدير بين موضع الدخول فمواضع، حومل كما يجوز: جلست بين العلماء فالزهاد" (56)، ويجوز أن يكون تقدير البيت (ما بين الدخول فحومل) فحذفت (ما) وبقيت (بين).

وقد لا تصلح الفاء لمرادفة الواو أو الإحلال محلها، وذلك لغرض دلالي نحو قوله تعالى: {وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ} (البقرة:130).

فمقتضى الظاهر أن تعطف الآية على ما سبقها بالفاء، وإنما عدل عن الفاء إلى الواو ليكون مدلول هذه الجملة مستقلا بنفسه في إكمال التنويه بإبراهيم عليه السلام والدلالة على التفريع لا تفوت؛لأن وقوع الجملة بعد سوابقها متضمنة هذا المعنى دليل على أنها نتيجة لما تقدم كما تقول: (أحسن فلان تدبير الأمر وهو رجل حكيم) ولا تحتاج أن تقول: (فهو رجل حكيم).

3 ـ نيابة الفاء عن (إلى)

تنوب الفاء عن إلى في نحو قوله تعالى:] إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ} (البقرة:26) بمعنى (إلى) (57)، والتقدير فإلى ما فوقها.

وهي عند ابن عاشور تفيد الترتيب ولا تفيد التعقيب، وإنما اشتملت على معنى التدرج في الرتب، أي أحقر من البعوضة في الرتبة مثل الذرة، وأعظم منها مثل العنكبوت والحمار (58).

ويتضح من ذلك أن الفاء بمعنى إلى،أي:إلى ما فوقها، ومعنى "فما فوقها"ما دونها،أي أنها فوقها في الصغر.

هوامش البحث

1ـ شرح ألفية بن مالك،ابن الناظم،تحقيق الدكتور عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ص523

2ـ مغني اللبيب،ابن هشام،تحقيق محيي الدين عبد الحميد،دار الشام للتراث بيروت،لبنان،1/ 161

3ـ التحرير والتنوير، ابن عاشور، الدار التونسية للنشر،تونس، 1/ 433ـ 434

4ـ المصدر نفسه، 1/ 504

5 ـ الكشاف، الزمخشري،دار المعرفة، بيروت،1/ 281

6ـ البيت لابن زيّابة سلمة بن ذهل، وزيّابة أمه، وهو شاعر جاهلي،كانت بينه وبين الحارث بن همام تحديات،ينظر خزانة الأدب، عبد القادر البغدادي،تحقيق عبد السلام هارون،دار الثقافة،بيروت، (د. ت) 2/ 331

7ـ صحيح البخاري، البخاري، ط2، دار الفكر، بيروت، (د ـ ت)،2/ 323

8 ـ معاني القرآن، الفراء، تحقيق الدكتور عبد الفتاح إسماعيل شلبي، دار السرور، بيروت لبنان،2/ 123

9 ـ التحرير والتنوير،ابن عاشور،8/ 20ـ21

10ـ ديوان امرىء القيس،تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، دار المعرف 1958،وبيروت 1972،ص185

11ـ مغني اللبيب، ابن هشام،214

12ـ المصدر نفسه:،ص214

13 ـ النحو الوافي، عباس حسن، دار المعارف، مصر، 4/ 354

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015