ومع دلالتها على السببية والجوابية فهي تدل كذلك على الترتيب والتعقيب،لأنها فاء عطف، فالترتيب يوجب أن يتأخر ما بعدها عما قبلها في زمن تحققه، إذ المسبب

متأخر في الوجود عن المسبب، والتعقيب يوجب أن يكون زمن التأخر قصيرا لا

مهلة فيها؛ كما هو الشأن في الفاء العاطفة، ومن هنا يتبين أن الفاء تفيد السببية والجوابية مع الدلالة على الترتيب والتعقيب

عملها

إن هذه الفاء لدلالتها على السببية والجوابية، فإن المضارع بعدها ينصب بأن المضمرة وجوبا بعدها، بعف المصدر المؤول من (أن) وما دخلت عليه من الجملة المضارعية ولا يجوز الفصل بين فاء السببية والمضارع بغير لا النافية إذا اقتضى المعنى وجودها. (13).ولا تعمل فاء السببية إلا بشرطين هما:

أ ـ أن يسبقها نفي،ومعناه سلب الحكم عن شيء بأداة معينة ومنه:

1 ـ النفي الصريح: نحو قولك: (لا تكن يابسا فتكسر ولا رطبا فتعصر).

2 ـ النفي المؤول: نحو قولك: (قلما تلقاني فتكرمني).

أما ما يفيد معنى النفي فلا ينصب جوابه كقولك:أنت غير أمير فتضربني وكذلك

التقليل بقد في المضارع فلا يقال: قد تجيئني فتكرمني (14).

ب ـ أن يكون قبلها طلب محض.

والمقصود بالطلب المحض هنا ما يتحقق بثمانية أنواع، ويكتفي وجود نوع واحد منها قبل الفاء؛ فتكون سببية وهي:النهي، والاستفهام، والدعاء، و التمنّي والتّرجّي، والعرض، والتحضيض. ومثال النهي قوله تعالى: {وَلَا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي} (طه:81)). والاستفهام نحو قوله تعالى: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاء فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ} (الأعراف:53).

ومثال الدعاء قول الشاعر:

ربّ وَفقنِي فلا أَعْدِلُ عَن سننِ الساعينَ في خيرِ سُنن (15).

والتمني:، نحو قوله تعالى: {يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً} (النساء:73) والترجّي نحو قوله تعالى: {لعله يزكى أو يتذكر فتنفعه الذكرى} (عبس:4) والعرض: ومعناه الطلب برفق ولين ومن أدواته (ألا)، نحو: ألا تزورنا فنكرمك.

ومثال والتحضيض قوله تعالى: {لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق} (المنافقون:10). والأمر نحو قول أبي النجم العجلي:

يَا نَاقُ سِيرِي عَنَقَا فَسِيحَا إَلَى سُلَيمَانَ فَنَسْتَرِيحَا (16).

حيث نصب الفعل المضارع بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية في جواب الأمر.

ويرى سيبويه هنا "أنه لا سبيل إلى الجزم؛من قبل أن هذه الأفعال التي يدخلها الرفع والنصب والجزم، وهي الأفعال المضارعة لا تكون في موضع أفعل أبدا

لأنها إنما تنصب وتنجزم بما قبلها،وافعل مبنية على الفتح.فإذا أردت أن تجعل هذه الأفعال أمرا أدخلت اللام" (17).

فالأصل في جميع الأفعال المنتصبة بعد فاء السببية الرفع، على أنها جمل مستأنف لأن فاء السببية لا تعطف وجوبا، بل الأغلب أن يستأنف بعدها الكلام، وقد يبقى ما بعد فاء السببية على رفعه قليلا (18)، نحو قوله تعالى: {هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ * وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (المرسلات: 35، 36). أي (أن يوم القيامة له مواطن ومواقيت، فهذا من المواقيت التي لا يتكلمون فيه) (19).فالفاء فيها للعطف (20).

ويرى الفراء أن الفاء نويت لتكون نسقا على ما قبلها،وزعم أنه اختير ذلك، لأن الآيات بالنون، فلو قيل:فيعتذروا لم يوافق الآيات، وقد قال الله عز وجل: {وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ} (المرسلات:36) بالنصب، وكلّ صواب (21).

وفي رفع (فيعتذرون) وجهان: أحدهما هو نفي، كالذي قبله؛ أي فلا يعتذرون.

والثاني هو مستأنف؛ أي: فهم يعتذرون، فيكون المعنى: أنهم لا ينطقون في بعض المواقف، وينطقون في بعضها؛ وليس بجواب النفي؛ إذ لو كان كذلك لحذف النون (22).

ويجب رفع المضارع إذا لم يتقدمه نفي أو طلب نحو: يذهب إلى المدرسة فيتعلم أو انتقض النفي بـ (إلا) نحو: ما أنت إلا تأتينا فتحدثنا، أو دخل النفي على لازال لأنها للنفي، ونفي النفي إثبات، نحو: مازال المرض من علي فيبرأ، أو كان غير محض بأن كان مدلوله اسم فعل أو بلفظ الخبر، نحو: صه فأخبرك، وحسبك الحديث فينام الناس.

أما قول الشاعر:

سَأَترُكُ مَنزِلِي لِبَنِي تَمِيْمٍ وَأَلْحَقُ بِالحِجَازِ فَاَسْتَرِيْحَا (23)

فضرورة شعرية لا يقاس عليه (24).

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015