يا لهف زيّابة للحارث الـ صابح فالغانم فالآيب (6). أي: الذي صبح فغنم فآب، وهذا ظاهر في إفادة الترتيب المعنوي
2 ـ إفادة ترتيب التفاوت من بعض الوجود نحو قولك: (خذ الأكمل فالأفضل واعمل الأحسن فالأجمل).
3 ـ إفادة ترتيب موصوفاتها نحو (رحم الله المحلقين فالمقصرين) (7)
حيث ابتدأ بالأفضل ثم أخر الجائز الفاضل
وقد ذهب الفراء إلى أن الفاء لا تفيد الترتيب مطلقا، (8). وهذا فيه خلاف في معنى الفاء في قوله تعالى: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتاً أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ * فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا إِلاَّ أَن قَالُواْ إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (الأعراف: 4 ـ 5)
فالفاء في قوله (فجاءها) عاطفة على قوله (أهلكناها)، والعاطفة تفيد ترتيب حصول معطوفها بعد حصول المعطوف عليه،وقال بعض المفسرين،أن الكلام جرى على طريقة قلب الأصل،أي: جاءها بأسنا فأهلكناها، وهذا قول مردود.
والذي فسر به الجمهور ذلك، هوأن الفعل (أهلكناها) مستعمل في معنى إرادة
الفعل نحو قوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} (لنحل:98) أي: فإذا أردت القراءة.
وقد استعمل الفعل في معنى إرادة وقوع القراءة بقرينة (فاستعذ)،وقوله: (وكم من قرية أهلكناها) في موضع:أردنا إهلاكها، بقرينة (فجاءها بأسنا)
والذي عليه المحققون أن الترتيب في فاء العطف قد يكون للترتيب الذكري، أي
ترتيب الإخبار بالشيء عن الإخبار المعطوف عليه، وهذا ما ذهب إليه ابن هشام
وهوأن الفاء تفيد الترتيب الذكري،فهو يرى أن الله قد أخبر عن كيفية إهلاكهم بعد الخبر بالإهلاك، وهذا الترتيب في الغالب تفصيل بعد إجمال، فيكون من عطف المفصل على المجمل. (9)
ولا تفيد الفاء الترتيب في البقاع ولا في الأمطار نحو قول امرىء القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكرَى حَبِيبٍ وَمَنزِلِ بِسقطِ الّلوَي بينَ الدّخولِ فَحَومَلِ (10)
فالدخول والحومل أسماء أماكن يقع بينهما سقط اللوى،وفيه منزل الحبيب، فلا ترتيب بين البقاع في البيت.
وقولهم: (مطرنا مكان كذا فمكان كذا) وإن كان وقوع المطر فيهما في مكان واحد (11)
ثانيا: التعقيب
وهو وجود مهلة مناسبة بين المعطوف عليه قد تقصر أو تطول،إذ الزمن
متروك لكل شيء بحسبه نحو: تزوج فولد له، إذا لم يكن بين الزواج والولادة إلا
مدة الحمل وهي تسعة أشهر عادة؛ لأن ذلك أمر نسبي يختلف باختلاف الاعتبار (12).
ومن التعقيب ما يسمى بالتعقيب العرفي وهو ما تم التعارف عليه سواء في العقل أوالعادة، أي معروفا عادة وواقعا وعقلا بحصول كذا وكذا نحو قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئاً فَرِيّاً} (مريم: 27) فالفاء في قوله "فأتت" دلت على أن مريم عليها السلام جاءت أهلها عقب الانتهاء من الكلام مع ابنها عيسى عليه السلام ـ فعلى هذا يكون التعقيب المستفاد من الفاء تعقيبا عرفيا، أي أنه من المتعارف عليه أن الولادة تكون بعد الحمل.
والفرق بين الترتيب والتعقيب هو أن الترتيب المعنوي يكون في زمن تحقق المعنىفي المعطوف متأخرا عن زمن تحقق المعنى في المعطوف عليه، وقد يحتمل فترة زمنية ومهلة في زمن تحقق المعنى بين المعطوف عليه، والتعقيب لا يحتمل المهلة، ويتحقق المعنى بقصر المدة الزمنية بين المعطوف و المعطوف عليه،وهو تعقيب كل شيء بحسبه.
ثالثا: السببية: معناها:
وهي التي يكون ما قبلها سببا لما بعدها، ويتضح ذلك في عطف الجمل والصفات نحو قوله تعالى: {فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ} (البقرة:37)، فالتوبة كانت مسببة عن تلقي الكلمات،ونحو قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ} (القصص:15)
وهذه الفاء تدل أيضا على الجواب، أي أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ترتيب الجواب على السؤال؛ سواء أكان ما قبلها مشتملا على استفهام نحو) أتعرف لنفسك
حقها فتصونها عن الهوان)،أم غير مشتملة عليه، ولهذا توصف بالجوابية، أي التي تدل على أن ما بعدها بمنزلة الجواب لما قبلها، فمعناها هو الدلالة على السببية والجوابية معا، ولما كان ذلك؛شاع الاكتفاء بتسميتها (الفاء السببية) اختصارا، مع إفادة أنها تدل على الجواب.
¥