ثم قال في تفسير الآية التالية (وهو قوله تعالى: "ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين"):

((يقول تعالى مخبراً عن المشركين ما كانوا يقولونه من الكذب والافتراء والبهت أن محمداً إنما يعلمه هذا الذي يتلوه علينا من القرآن بشر، ويشيرون إلى رجل أعجمي كان بين أظهرهم، غلام لبعض بطون قريش، وكان بياعاً يبيع عند الصفا، وربما كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يجلس إليه ويكلمه بعض الشيء، وذاك كان أعجمي اللسان لا يعرف العربية، فلهذا قال اللّه تعالى راداً عليهم في افترائهم ذلك: {لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} أي القرآن، أي فكيف يتعلم من جاء بهذا القرآن في فصاحته وبلاغته ومعانيه التامة الشاملة التي هي أكمل من معاني كل كتاب نزل على بني إسرائيل، كيف يتعلم من رجل أعجمي؟ لا يقول هذا من له أدنى مسكة من العقل. قال محمد بن إسحاق: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم - فيما بلغني - كثيراً ما يجلس عند المروة إلى غلام نصراني يقال له جبر عبد لبعض بني الحضرمي، فأنزل اللّه: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}. وعن عكرمة وقتادة كان اسمه يعيش، وقال ابن جرير، عن ابن عباس قال: كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يعلم قيناً بمكة، وكان اسمه بلعام، وكان أعجمي اللسان، وكان المشركون يرون رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يدخل عليه ويخرج من عنده، فقالوا: إنما يعلمه بلعام، فأنزل اللّه هذه الآية: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين}))

وتمام الآيات قوله تعالى: (({إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم. إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون})).

وآيات الله تعالى - جمعا وإفرادا: عاما من أن يكون مختصا بالشرعية أو الكونية، إلا ما دل الدليل والسياق اختصاصه به. وواضح أن (الآية) في آية النسخ والتبديل يراد به الآيات الشرعية القرآنية. وكلا الآيتين - الكونية والشرعية هي "ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين".

2 - قولهم ختم الله عز وجل هذه الآية بقوله " ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير " فقالوا هذه الجملة في ختام الأية تدل على أن المراد أيضا الأيات الكونية وليست الشرعية لأن المناسبة في الأمور الكونية والأيات الكونية بأن الله على كل شيء قدير أليق وأنسب منها من الأمور الشرعي.

بل هذا الاعتراض دليل واضح على هذيان صاحبه!!!

كيف لا يناسب ذلك الختام وفي الآية قوله تعالى (أو ننسها)؟!؟!

فهل بقدرة أحد من البشر أن يكلم أخاه بالبارحة بكلام جميل قوي مؤثر ثابت في الذاكرة، ثم يرفع هو ذلك الكلام من ذاكرة أخيه بالصباح؟!؟!؟!

ثم إن منشأ اللبس أن أصحاب الاعتراض لا يفهم من (الآيات الكونية) إلا ما سموه "خارقا للعادة"، فقالوا: فناسب أن يذكر عندها "القدرة الإلهية"! لم يعلم هذا المسكين أن (الآيات) هي (البراهين الساطعة) بصرف النظر عن تقييده بكونه خارقا أو غير خارق.

وهذا معلوم في درس العقائد السنية. . أن وصف "آيات الأنبياء" بأنه "خارق للعادة وصف سقيم لا ينضط، لا لسنا بحاجة إلى ذلك أبدا. اللهم إلا أن نقول: إنها خارق لعادة غير الأنبياء وغير أعوان الأنبياء من الملائكة. فنقول عندها أيضا: إن كرامات الأولياء خوارق لعادة غير الأولياء. . وإن دلائل السحرة خوارق لعادة غير السحرة. . وإن دلائل الفقهاء خوارق لعادة غير الفقهاء من المقلدين وغيرهم. . وإن دلائل النحاة خوارق بالنسبة إلى عادة غيرهم من أصحاب اللحن. . . وهكذا دواليك.

ـ[نضال مشهود]ــــــــ[28 - Mar-2008, صباحاً 11:10]ـ

والجواب عن الاعتراض الثاني: أن باب المناسبات ضعيف، ولا يصلح في المناقشات والمناظرات، بل ينظر فيه بعد التسليم في المطلوب، ولو سألناهم الآن: آلله قادر على أن ينسخ آية قرآنية أو غير قادر؟ فإن قالوا غير قادر، كابروا وطعنوا في القدرة.

وإن قالوا: قادر، قلنا: فهو على كل شيء قدير، وتشمل قدرته نسخ الآية الكونية والقرآنية.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015